تفسير ابن كثر - سورة الأنفال - الآية 72

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) (الأنفال) mp3
ذَكَرَ تَعَالَى أَصْنَاف الْمُؤْمِنِينَ وَقَسَمَهُمْ إِلَى مُهَاجِرِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ وَجَاءُوا لِنَصْرِ اللَّه وَرَسُوله وَإِقَامَة دِينه وَبَذَلُوا أَمْوَالهمْ وَأَنْفُسهمْ فِي ذَلِكَ وَإِلَى أَنْصَار وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة إِذْ ذَاكَ آوَوْا إِخْوَانهمْ الْمُهَاجِرِينَ فِي مَنَازِلهمْ وَوَاسَوْهُمْ فِي أَمْوَالهمْ وَنَصَرُوا اللَّه وَرَسُوله بِالْقِتَالِ مَعَهُمْ فَهَؤُلَاءِ " بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض " أَيْ كُلّ مِنْهُمْ أَحَقّ بِالْآخَرِ مِنْ كُلّ وَاحِد وَلِهَذَا آخَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار كُلّ اِثْنَيْنِ أَخَوَانِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ إِرْثًا مُقَدَّمًا عَلَى الْقَرَابَة حَتَّى نَسَخَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ بِالْمَوَارِيثِ . ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْهُ وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْر وَاحِد . قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ شَرِيك عَنْ عَاصِم عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ جَرِير وَهُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَالطُّلَقَاء مِنْ قُرَيْش وَالْعُتَقَاء مِنْ ثَقِيف بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَد . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا سُفْيَان حَدَّثَنَا عِكْرِمَة يَعْنِي اِبْن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ حَدَّثَنَا عَاصِم عَنْ شَقِيق عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَالطُّلَقَاء مِنْ قُرَيْش وَالْعُتَقَاء مِنْ ثَقِيف بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " هَكَذَا رَوَاهُ فِي مُسْنَد عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود . وَقَدْ أَثْنَى اللَّه وَرَسُوله عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار فِي غَيْر مَا آيَة فِي كِتَابه فَقَالَ " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار " الْآيَة وَقَالَ " لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّه وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّه وَرَسُوله أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " الْآيَة وَأَحْسَن مَا قِيلَ فِي قَوْله " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا " أَيْ لَا يَحْسُدُونَهُمْ عَلَى فَضْل مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه عَلَى هِجْرَتهمْ فَإِنَّ ظَاهِر الْآيَات تَقْدِيم الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَار وَهَذَا أَمْر مُجْمَع عَلَيْهِ بَيْن الْعُلَمَاء لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَام أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَمْرو بْن عَبْد الْخَالِق الْبَزَّار فِي مُسْنَده : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : خَيَّرَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْهِجْرَة وَالنُّصْرَة فَاخْتَرْت الْهِجْرَة ثُمَّ قَالَ لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَوْله تَعَالَى " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ " قَرَأَ حَمْزَة وِلَايَتهمْ بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ وَهُمَا وَاحِد كَالدَّلَالَةِ وَالدِّلَالَة " مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا " هَذَا هُوَ الصِّنْف الثَّالِث مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا بَلْ أَقَامُوا فِي بِوَادِيهِمْ فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْمَغَانِم نَصِيب وَلَا فِي خُمُسهَا إِلَّا مَا حَضَرُوا فِيهِ الْقِتَال . كَمَا قَالَ أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيد بْن الْخَصِيب الْأَسْلَمِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّة أَوْ جَيْش أَوْصَاهُ فِي خَاصَّة نَفْسه بِتَقْوَى اللَّه وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَقَالَ " اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّه فِي سَبِيل اللَّه قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ إِذَا لَقِيت عَدُوَّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاث خِصَال - أَوْ خِلَال - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ اُدْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّل مِنْ دَارهمْ إِلَى دَار الْمُهَاجِرِينَ وَأَعْلِمْهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا وَاخْتَارُوا دَارهمْ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْم اللَّه الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُون لَهُمْ فِي الْفَيْء وَالْغَنِيمَة نَصِيب إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاء الْجِزْيَة . فَإِنْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ " اِنْفَرَدَ بِهِ مُسْلِم وَعِنْده زِيَادَات أُخَر وَقَوْله " وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر " الْآيَة يَقُول تَعَالَى وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا فِي قِتَال دِينِيّ عَلَى عَدُوّ لَهُمْ فَانْصُرُوهُمْ فَإِنَّهُ وَاجِب عَلَيْكُمْ نَصْرهمْ لِأَنَّهُمْ إِخْوَانكُمْ فِي الدِّين إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْم مِنْ الْكُفَّار بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق أَيْ مُهَادَنَة إِلَى مُدَّة فَلَا تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَلَا تَنْقُضُوا أَيْمَانَكُمْ مَعَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ وَهَذَا مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أعمال القلوب [ الصبر ]

    المؤمن بين صبر على أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه; وصبر عن نهي يجب عليه اجتنابه وتركه; وصبر على قدر يجري عليه; وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه; فالصبر لازم إلى الممات وهو من عزائم الأمور; فالحياة إذن لا تستقيم إلا به; فهو الدواء الناجع لكل داء.

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340022

    التحميل:

  • مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة

    مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة: هذه الرسالة تبين كيف يكون النجاح بالقرآن؟ بيان متكامل واضح يربط المفاهيم والمصطلحات بالواقع، وتوضح أن الأصل في تحقيق النجاح هو القرآن الكريم كلام رب العالمين، وما عداه: فإما أن يكون تابعاً له، وإلا فهو مرفوض. وقد حاول المؤلف -حفظه الله- أن يبين فيه كيفية تحقيق القوة والنجاح بمفهومه الشامل المتكامل لكل طبقات المجتمع ولجميع جوانب حياتهم.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/319827

    التحميل:

  • في رحاب القرآن الكريم

    في رحاب القرآن الكريم: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «فإن الكُتَّاب عن تاريخ القرآن وإعجازه قديمًا وحديثًا - جزاهم الله خيرًا - قد أسهَموا بقدرٍ كبيرٍ في مُعالجَة هذين الجانبين وفقًا لأهدافٍ مُعيَّنة لدى كلِّ واحدٍ منهم. إلا أنه مع كثرةِهذه المُصنَّفات فإنه لا زالَ هناك العديد من القضايا الهامَّة، وبخاصَّة ما يتعلَّق منها بالقراءات القرآنية لم أرَ أحدًا عالَجَها مُعالجةً منهجيَّةً موضوعيةً. لذلك فقد رأيتُ من الواجبِ عليَّ أن أسهم بقدرٍ من الجهد - وأتصدَّى لمُعالجة القضايا التي أغفلَها غيري؛ لأن المُصنَّفات ما هي إلا حلقات مُتَّصلة يُكمل بعضُها بعضًا، فقمتُ بإعدادِ هذا الكتابِ».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384414

    التحميل:

  • محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في كتب اليهود والنصارى

    يكشف المؤلف في هذا الكتاب عن النبوءات التي تضمنتها كتب العهدين القديم والجديد عن قدوم خاتم الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - الملقَّب في كتبهم بالنبي المنتظر; والمبعوث لكل الأمم; وابن الإنسان المخلِّص الأخير; والمنقذ; والنبي الأحمد المبشِّر بالإسلام; ورسول الله; والسيد الآمر; مؤسس مملكة الله في الأرض. ويستند المؤلف في ذلك على معرفته الدقيقة ليس فقط بكتب اليهود والنصارى ولكن بمعرفته اللغات العربية والآرامية واليونانية واللاتينية أيضًا; كما يكشف عن حقيقة تلك الكتب والمتناقضات التي تضمنتها. - ترجم الكتاب إلى العربية: محمد فاروق الزين.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/319979

    التحميل:

  • قادة فتح الشام ومصر

    قادة فتح الشام ومصر: تحتلُّ أرضُ الشام مكانةً فريدةً في تاريخ العالم، وقد كان لها فضلٌ في رُقِيِّ العالَم من الناحيتين الفِكرية والروحية أجلّ شأنًا من فضلِ أيِّ بلدٍ آخر. وفي هذا الكتاب يذكر المؤلف - رحمه الله - أحوال بلاد الشام ومصر قبل الإسلام وبعد دخوله فيهما، وذكر الفتوحات الإسلامية وأهميتها وعظمتها وأخلاق قادتها، وما إلى ذلك.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/380517

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة