الموضوع: عرفه
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 18/12/2007, 01:55 PM
الفارس الاخير
مُخلــص
 
رد : اليوم يوم عرفه

فيه تتجلى المساواة في أبهى صورها
يوم عرفة تجديد عهد الولاء لله

يوم عرفة من الأيام العظيمة في الإسلام.. يعتق الله فيه من الناس ما لا يعتق في غيره، ويباهي ملائكته بالحجاج الذين توافدوا في هذا اليوم المبارك من كل فج عميق، ويشهدهم على أنه غفر لهم ذنوبهم وكفر عنهم سيئاتهم، ولم يشاهد الشيطان في يوم أصغر وأحقر منه في هذا اليوم كما وردت بذلك الأحاديث النبوية.

فماذا يعني هذا اليوم بالنسبة للمسلمين؟ وماذا ينبغي أن يفعل فيه الحاج لكي يحظى بكامل الأجر والثواب؟ وما الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في هذا اليوم المبارك؟

هذه التساؤلات وغيرها يجيبنا عنها الداعية والفقيه الدكتور محمد سيد أحمد المسير الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر.. فيقول: يوم عرفة هو اليوم الذي تتجلى فيه وحدة المسلمين في أبهى صورها، حيث تظهر فيه المساواة بما لم تظهر في غيره، يتلاقى فيه المسلمون على الخير، ليذكروا اسم الله ويشهدوا منافع لهم.. فهو يوم عيد مشهود لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.







بالنسبة لفريضة الحج فإن أهم ركن فيها هو الوقوف بعرفة، فهو كما يطلق عليه الفقهاء “ركن الحج الأعظم”، ومن فاته الوقوف فاته الحج، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحج عرفة”.

حول معنى الوحدة والتضامن في هذا اليوم الأغر يقول الدكتور المسير: في هذا اليوم المبارك يلتقي ملايين الحجيج بزي الإحرام الموحد في زمان ومكان واحد، يحاولون استشراف الحياة في أصلها مجردين من الزخرف والشهوات، متعالين على الأعراق والأنساب، متجاوزين الألقاب والمراتب، يجأرون إلى الله تعالى بالولاء الخالص والدعاء الضارع.. فهذا اليوم يؤكد قيما عليا تقوم عليها الحياة، ويتعايش بها الناس كي يحققوا سعادة الدنيا وكرامة الآخرة.

التوحيد والوحدة


ويضيف: وفي هذا اليوم يستشعر المسلم نعمة الله عليه في أداء المناسك وفي الهداية للدين الحق وفي نعمة التعارف الإسلامي، حيث يلتقي المسلمون على صعيد عرفات من كل فج عميق، يلبون بهذا النداء الخالد: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.

وهذا اليوم يذكرنا بضرورة التعارف البشري والتقارب الإنساني الذي سجله القرآن الكريم في قوله “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”.

وهذه الجموع الحاشدة التي تلتقي في عرفات الله كما يوضح الدكتور المسير تجعلنا نحن المسلمين نوقن أن صلاح أمتنا الإسلامية مرهون بالتوحيد والوحدة، التوحيد في العقيدة، والوحدة في المجتمع، فنحن إزاء ما نعانيه من احتلال آثم، وزحف إلحادي مدمر، وانحراف خلقي، وفساد اجتماعي، وتيارات فكرية هدامة لن تكون هناك وسيلة لخلاصنا إلا أن نعيد الأمة إلى كلمة التوحيد الخالص لله رب العالمين.. ونحن في مواجهة الاحتكارات العالمية، والكتل الدولية، ولن تستقيم للمسلمين حياتهم إلا بالوحدة والتكامل الاقتصادي والبشري.. وفي هذا اليوم وكل يوم ينبغي على كل مسلم حاكما أو محكوما أن يتذكر قول الحق سبحانه: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

والأمة الإسلامية التي حباها الله بخيرات وفيرة وموارد ضخمة وإمكانات هائلة تنادي المسلمين في هذه الأيام المباركة التي يلتقي فيها الجميع على عرفات الله أن يوحدوا كلمتهم، وأن يواجهوا بكل شجاعة وصلابة كل محاولات تفريقهم وإضعاف قوتهم، ولا بد أن يثق المسلمون في نصر الله لهم، بعد أن ينتصروا لدينهم ويعلنوا الولاء كله لله والدين والوطن والكرامة “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”.

ماذا يفعل الحاج؟


وبما أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم لفريضة الحج، فيجب على الحاج أن يقف بعرفة، وقال جمهور العلماء إن وقت الوقوف بعرفة يبدأ من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة، وأنه يكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا، إلا أنه إذا وقف بالنهار وجب عليه أن يبقى بعرفات إلى ما بعد غروب الشمس، وقد تعددت اجتهادات الفقهاء في وقت الوقوف بعرفة.. لكن ما استقر عليه رأي العلماء هو أن الحاج يجب عليه في وقوفه بعرفة أن يجمع بين النهار والليل، فلا يغادر عرفة إلا بعد غروب الشمس ولو بوقت يسير، لأن هذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهل يجب على الحاج صعود جبل الرحمة في عرفات؟

يجيب الدكتور المسير: لا يوجد ما يبرر تزاحم الحجاج في عرفات على جبل الرحمة، وتسلق أحجاره، والتدافع نحو قمته، مما يعرضهم لمتاعب ومشاق، فضلا عما قد يعرض حياة بعضهم للخطر نتيجة التدافع أو اختلال التوازن.

وجبل الرحمة والذي يقع وسط أرض عرفات وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفله وقال: “وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف”.

وهذا من رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم، فهو صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربه “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” فليس مشروعا مطلقا صعود الجبل، وليس من السنة مطلقا الوصول إلى قمته.

وتقديرا لعظمة وجلال هذا اليوم المبارك ينبغي على الحاج أن يقضي كل دقيقة منه في طاعة الله، ما بين صلاة وذكر ودعاء وإعانة للضعفاء ومساعدة للفقراء وتجنب كل ما فيه أذى أو إضرار بالآخرين.

تكفير ذنوب عامين


وفي صوم يوم عرفة تكفير للذنوب ومحق للخطايا والآثام التي يرتكبها المسلم طوال العام السابق، والعام اللاحق، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: “يكفر السنة الماضية والباقية” أي لو عاش وأذنب كفر الله ذنوبه. وإذا كان لصوم يوم عرفة فضل تكفير السيئات لمدة عامين، فإن له فضلا آخر يعدل صيام ألف يوم في المنح والعطايا التي يمنحها الله للصائمين.. وهكذا فإن صيام هذا اليوم له فضله العظيم الذي ينبغي أن يحرص عليه، كما كان يحرص النبي صلى الله عليه وسلم.. فلتكن لنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

وانطلاقا من رحمة الله بعباده ويسر تشريعاته بخلقه لم يشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة على ضيوف الرحمن، ذلك لأنهم ضيوف على مائدة الله ينعمون ببره وفضله، وهم في اجتهادهم في الدعاء وتنقلهم بين المشاعر ومعاناتهم البدنية يحتاجون إلى مزيد من القوة ليتم عملهم على الوجه الأكمل، ودين الله يسر لا عسر. لكن يسن لغير الحجاج أن يصوموا يوم عرفة، بل سن لهم صيام الأيام السابقة عليه من ذي القعدة، كما يسن لهم الإكثار من الذكر والدعاء وسائر الأعمال الصالحة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

سنة التكبير

ومن السنة أن يكبر المسلمون رجالا ونساء وأطفالا ليلة العيد من غروب الشمس إلى أن يدخل الإمام في صلاة العيد، وهذا التكبير يكون مطلقا في البيوت والأماكن العامة لأنه شعار الأعياد في الإسلام. وهناك تكبير مقيد عقب الفرائض في صبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق الثلاثة بعد العيد.

وصيغة التكبير كما يوضح الدكتور المسير فيها سعة والمهم هو استشعار العظمة والجلال والكمال لله رب العالمين فقد نقول: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، وقد نزيد ونقول: “الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون”. وهي معان جميلة ورائعة وفيها تثبيت للعقيدة وتنمية للوعي الديني، وسمو بالروح إلى آفاق الملأ الأعلى.



من مواضيعي :
الرد باقتباس