تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل
الفصل الثاني
.............
أحكام الصيام
إن أحكام الصيام بحمد الله واضحة جلية ذلك
لأن الصيام يتردد على المسلم كل عام و يصوم الاتقياء -إضافة إلى هذا- في أثناء
السنة تطوعاً طمعاً أن يثيبهم الله تعالى عليه، و لكن لا بد أن نذكر شيئاً يسيراً
من أحكام الصيام.
أولاً: الصيام الواجب و صيام التطوع:
إن الصيام الواجب الذي هو فرض من فرائض
الإسلام، و ركن من أركانه، هو شهر رمضان، و ما سواه فإنه تطوع: ((فمن تطوع خيراً
فهو خير له))(البقرة:184).
و الدليل على وجوبه و فرضه قوله تعالى: ((يا
أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون))(البقرة:183). أي: فرض عليكم. و قوله صلى الله عليه و سلم: "بني
الإسلام على خمس:… و ذكر منها: و صوم رمضان".
و الصيام فريضة كان أو نافلة: هو الإمساك عن
المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. و الذي يَلْزَمُهُ هذا الإمساك هو
المكلف، أما غير المكلف كالمجنون أو الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف فهذا لا صيام
عليه، و كذلك الكافر الذي طلب منه شرطه و هو الإسلام.
فالصيام إذاً يجب على المسلم المكلف، يعني
البالغ العاقل القادر؛ فالمسلم يخرج الكافر، و المكلف يخرج الصغير و المجنون، و
القادر يخرج المريض و نحوه من المعذورين، و إن كان يجب عليه القضاء أو الفدية.
ثانياً:
مفطرات الصيام:
(أ) المفطرات الحسية:
إن
المفطرات الحسية التي تنافي هذا الصيام معروفة و أهمها: الأكل، و الشرب، و النكاح،
و لكن يعفى في الأكل و الشرب عن الناسي، فإذا فعل شيئاً منها ناسياً عُفي عنه لقول
النبي صلى الله عليه و سلم كما في الصحيح: "إذا نسي فأكل و شرب فليتم صومه،
فإنما أطعمه الله و سقاه".
و
نأتي على شيء من التفصيل في هذه المفطرات:
1- الأكل و الشرب:
إذا
أفطر بهما فليس عليه إلا القضاء إذا أفطر لعذر، أما إذا أفطر لغير عذر فقد وقع في
ذنب كبير كما ورد عنه صلى الله عليه و سلم: "من أفطر يوماً في رمضان من غير
عذر لم يقضه عنه صيام الدهر، و إن صامه".
فالذي
يفطر في شهر رمضان متعمداً دون أن يكون له عذر من مرض أو سفر، أو نحو ذلك، يعتبر
قد تهاون بهذا الركن، و أقدم على ما يفسده فهو كمن يترك الصلاة عمداً.
و
يذهب بعض العلماء إلى كفر من أفطر من غير عذر، و لا حاجة به إلى الإفطار، و إنما
هو تهاون، و كذلك من ترك الصلاة بدون عذر فيذهب أيضاً بعض العلماء إلى أنه كافر
لكونه تهاون بما فرضه الله دون أن يكون له عذر، و لكن مع ذلك عليه التوبة، و عليه
الإنابة، و عدم العودة إلى هذا الفعل، و عليه إكمال شهره، و المحافظة عليه في بقية
عمره.
2- النكاح:
إذا جامع الرجل أهله في نهار رمضان فإن عليه
القضاء مع الكفارة التي هي كفارة الظهار، التي ذكرها الله تعالى في أول سورة
المجادلة فقال تعالى: ((و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به و الله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا
بالله و رسوله و تلك حدود الله و للكافرين عذاب أليم))(المجادلة:3-4). فكذلك كفارة
المُواقع أهله في نهار رمضان.
و يقع هذا من كثير من الشباب الذين ينامون
مع أزواجهم بعد صلاة الفجر فلا يملك أحدهم نفسه و خاصة إذا كان لا ينام مع أهله في
الليل، فإذا نام في النهار لم يأمن أن تثور منه الشهوة. فلذلك يرشد الشاب المسلم
أن ينام مع أهله في الليل، حتى يعطي نفسه شهوته المباحة، و يسلم من تناول هذه
الشهوة المحرمة في النهار، و التي توقعه في كفارة كبيرة.
و هناك مفطرات أخرى غير الأكل و الشرب و
الجماع، و من هذه المفطرات:
3- القيء:
ثبت أنه صلى الله عليه و سلم قال: "من
استقاء عمداً فعليه القضاء، و من ذرعه القيء فلا قضاء عليه".
فمن تعمد إخراج القيء فإن عليه القضاء لكونه
تعمد إخراج ما يفطر صومه، و من غلبه و خرج قهراً، فلا قضاء عليه، لكونه لم يتسبب
في ذلك.
4- خروج الدم من جرح أو رعاف:
إذا خرج الدم عن غلبة فإنه لا قضاء عليه، و
إذا تعمد إخراجه، فالقياس أنه يفطر كالقيء، و لكن إذا خرج بدون اختيار منه، أو كان
بحاجة إلى ذلك كخلع ضرس و نحوه، فله أن يتحّفظ عن دخوله مع ريقه، أو ابتلاع شيء،
فإن تحفظ فالصحيح أيضاً أنه لا يؤثر على صومه.
-
الحجامة:
ذهب
الإمام أحمد إلى أن الحجامة تفطر، و استدل بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم:
"أفطر الحاجم و المحجوم". و هو حديث متواتر، رواه عدد من الصحابة كما في
شرح الزركشي، و لو لم يكن منه شيء في الصحيحين، و لكن منه أحاديث ثابتة عن شداد و
ثوبان و غيرهما لا طعن فيها على الصحيح.
و
فطر الحاجم؛ في ذلك الوقت لأنه يمتص الدم و يكرر امتصاصه، فيختلط بريقه فلا يؤمن
أن يبتلع منه شيئاً، و لكن في هذه الأزمنة وجدت محاجم ليس فيها امتصاص، إنما هي
آلات يضغط عليها فتمسكه، و تمتص الدم، ففي هذه الحال قد يقال لا يفطر الحاجم إلا
أن يكون لتسببه في إفطار غيره.
و
أما المحجوم فإنه يفطر لخروج هذا الدم الكثير منه فيقاس على خروج دم الحائض.
6- نقل الدم بالإبرة:
لو أخذ الدم فيما يسمى بالتحليل، أو التبرع
لمنحه للمريض، فإذا كان هذا الدم كثيراً فإنه يلحق بالحجامة، و أما الدم القليل
بالإبرة، و ما يؤخذ للتحليل فالصحيح أنه لا يفطر لكونه ليس حجامة و لا يلحق بها.
7- الضرب بالإبرة:
و فيه تفصيل:
فإذا كانت الحقنة مغذية و مقوية فإنها تفطر،
و ذلك لقيامها مقام الطعام، و الشراب. فالمغذي هو الذي يدخل مع العروق و يقوم مقام
الطعام و الشراب، و على هذا فالإبر المغذية و المقوية التي تكسب البدن قوة تفطر؛
لأنها قامت مقام الأكل و نابت عنه.
أما الإبر الأخرى التي هي إبر يسيرة للتهدئة
أو لتصفية الجسم، أو ما أشبه ذلك، فالأولى و الصحيح أنها لا بأس بها للحاجة، و لا
تفطر الصائم.
(ب)
المفطرات المعنوية:
و
كما أن على الصائم أن يمسك عن المفطرات الحسية كالأكل و الشرب و غيره، فإن عليه
أيضاً أن يمسك عن المفطرات المعنوية التي تنقص الصيام، كما ورد في الحديث الشريف:
"ليس الصيام عن الطعام و الشراب إنما الصيام عن اللغو و الرفث"(سبق
تخريجه).
فعلى
الصائم أن يمسك عن الكلام السيئ الذي فيه مضرة على غيره و مشقة، حتى يحوز أجر
الصيام كما تقدم.
ثالثاً:
صيام أهل الأعذار:
إذا
احتاج المرء إلى الأكل أو الشرب لمرض أو لسفر أو نحو ذلك، فإنه معذور فيأكل بقدر
حاجته و يقضي كما أباح الله ذلك للمريض و للمسافر لقوله تعالى: ((فمن كان منكم
مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر))(البقرة:184). و لمزيد من الفائدة فإننا نذكر
بعض الأحكام الخاصة بصيام أهل الأعذار فمن ذلك:
1- صيام المسافر.
2- صيام المريض.
3-
صيام الكبير.
4-
صيام المرأة الحامل أو المرضع و الحائض و النفساء.
|