عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 20/06/2015, 10:52 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


الفصل
الخامس


إحياء
العشر الأواخر من رمضان





إذا
علمنا أن شهر رمضان هو أفضل الشهور، كانت نتيجة ذلك أن نجتهد فيه اغتناماً لفضله،
و إذا علمنا أن العشر الأواخر هي أفضل أيامه، و أفضل لياليه، كانت نتيجة ذلك أن
نكثر الاجتهاد فيها، و ألا نضيع منها وقتاً في غير منفعة.


و
هذه الأيام العشر يستحب فيها أربعة أشياء:


1-
إحياؤها كلها.


2-
زيادة الاجتهاد فيها بالأعمال الأخرى.


3-
إظهار النشاط فيها و القوة.


4-
الاعتكاف و اعتزال الشهوات و الملذات.





إحياء
الرسول صلى الله عليه و سلم العشر الأواخر:





ثبت
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه و
سلم إذا دخل العشر أحيا ليله، و أيقظ أهله، و جدّ، و شدّ المئزر". و كذلك روي
عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخلط العشرين من رمضان
بصلاة و نوم، فإذا كان في العشر لم يذق غمضاً". أي: في الليالي العشر لا يذوق
غمضاً، بل يقوم ليله كله دون نوم.


و
في حديث آخر: "إذا دخل العشر طوى فراشه". يعني: فراش النوم ليلاً في آخر
ليالي الشهر. و في حديث آخر تأكيد الإحياء بقولها: "و أحيا ليله كله".





أقسام
الناس في إحياء العشر الأواخر:


ينقسم
الناس في إحياء هذه الليالي إلى أربعة أقسام:


القسم
الأول: يحيونها بالعبادات:


هناك
من يحيون العشر الأواخر من رمضان بالعبادات، فيحيونها بالصلاة، و طول القيام و
الركوع و السجود، اقتداءً بفعل نبيهم صلى الله عليه و سلم فقد كان يديم الصلاة في
هذه الليالي؛ فإنه صلى ليلة ببعض صحابته حتى خشوا أن يفوتهم السحور، و كذلك صلى
مرة و معه رجل من أصحابه -و هو حذيفة- فقرأ في ركعة واحدة ثلاث سور: سورة البقرة و
سورة آل عمران، و سورة النساء، يقرأ بتدبر، و يقف عند آية الرحمة فيسأل، و عند آية
العذاب فيتعوذ، يقول: فما صلى ركعتين، أو أربع ركعات حتى جاءه المؤذن للصلاة.


و
هذا هو الأصل في إحياء هذه الليالي، فتجد المجتهدين قبل سنوات يهتمون بهذه
الليالي، و يولونها زيادة نشاط و عبادة، اقتداءً بفعل نبيهم صلى الله عليه و سلم
بحيث إنهم يزيدون في قيام هذه الليالي، و يقطعون الليل كله في الصلاة، فيصلون عشر
ركعات، و يقرؤون فيها نحو جزء و نصف، ثم يستريحون نحو نصف ساعة ثم يصلون أربع
ركعات بسلامين في ساعتين، أو ساعة و نصف على الأقل يقرؤون فيها ثلاثة أجزاء،
أو جزئين و نصفاً، ثم يستريحون نحو ساعة أو أقل، ثم يصلون ست ركعات تستغرق
ساعتين و نصفاً، أو ثلاث ساعات، يقرؤون فيها أيضاً ثلاثة أجزاء أو ثلاثة و نصفاً،
ثم يستريحون قليلاً، ثم يصلون الوتر، فيكون ليلهم كله عامراً بالصلاة، و إنما
يتخللها فترات راحة، و ذلك اقتداء بما كان عليه السلف و الصحابة و من بعدهم.





و
كان الصحابة يصلون في ليالي رمضان ثلاثاً و عشرين ركعة، و ربما صلى بعضهم، أو بعض
التابعين كما عند الإمام مالك في رواية ستاً و ثلاثين، و عند الإمام الشافعي يصلي
في ليالي رمضان إحدى و أربعين ركعة في رواية عنه فيصلون أربع ركعات، و تستغرق نصف
ساعة، يستريحون بعدها نحو خمس أو عشر دقائق، ثم يصلون أربعاً و هكذا، و لذلك سموا
هذا القيام بالتراويح حيث إنهم يرتاحون بعد كل أربع ركعات. فهذه الأفعال هي حقاً
إحياء لهذه الليالي في العبادة.





و
يدخل في إحياء تلك الليالي أيضاً إحياؤها بالقراءة؛ فإن هناك من يسهر ليالي العشر
يصلون ما قدر لهم، ثم يجتمعون حلقات، و يقرؤون ما تيسر من القرآن في بيت من بيوت
الله في المساجد، أو في بيت أحدهم رجاء أن تُحقَّق الفضائل التي رتبت على ذلك، و
قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله
يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، و غشيتهم الرحمة، و
حفتهم الملائكة، و ذكرهم الله فيمن عنده".





فإذا
اجتمع جماعة، عشرة أو عشرون، أو نحو ذلك يقرؤون القرآن؛ يقرأ أحدهم، و بقيتهم
يستمعون له، ناظرين في مصاحفهم، ثم يقرأ الثاني، حزباً أو نصف حزب، أو ربعه، ثم
يقرأ الثالث.. و هكذا، فيصدق عليهم أنهم يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم،
فيُحيون ليلهم بالطاعات و القربات.





كذلك
إذا أحيوا الليل بتعلم أو تعليم كان ذلك أيضاً أحياءً لهذه الليالي بطاعة. فإذا
أحيينا ليلنا أو جزءاً من ليلنا في تعلُّم علوم دينية، كان ذلك إحياء لهذه الليالي
بطاعة تنفعنا إن شاء الله.





فهؤلاء
هم الذين ربحوا ليلهم، و استفادوا من وقتهم.





القسم الثاني: يحيونها في التكسب و في
التجارات:


و يندرج في هذا القسم أولئك الذين يحيون
ليلهم في التكسب، في تجاراتهم، و في صناعاتهم و في دكاكينهم؛ و هؤلاء قد ربحوا
نوعاً من الربح، و هو ربح عابر؛ ربح دنيوي، لكنه قد يكون عند بعضهم أنفس و أغلى
ثمناً مما حصل عليه أهل المساجد، و أهل القراءات، و أهل العلم! و لكنهم في الحقيقة
قد خسروا أكثر مما ربحوا، فترى أحدهم يبيت ليله كله في مصنعه، أو في متجره أو
حرفته، أو نحو ذلك. فهذا قد أسهر نفسه، و أحيى ليله، و لكن في طلب الدنيا الدنيئة!





فإذا كان ممن رغب عن الأعمال الأخروية، و
زهد فيها، و أقبل على الدنيا بكليته، و انصرف إليها و لم يعمل لآخرته، خيف عليه أن
يكون ممن قال الله تعالى في حقهم: ((من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفِّ
إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا
النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون))(سورة هود:15-16).





و هذه الآية فيمن جعل دنياه أكبر همه، و نسي
أو تناسى الآخرة، و لم يعمل لها، و كان مقصده و ديدنه السعي وراء هذا الحطام؛ بل
جعلها هي مقصده، لا يعمل و لا يسعى و لا يكدح إلا لها، حتى كأنها معبوده، فيصدق
عليه أنه عابد لدنياه، و أنه عابد لدرهمه و ديناره، و يتحقق عليه التعس، و يدعى
عليه بقول النبي صلى الله عليه و سلم: "تعس عبدالدينار و الدرهم
والقطيفة".





و لكن بعضهم قد يحصل على جزء من الصلاة و
القراءة و لا يكون غافلاً عن ربه و لا متغافلاً عن الذكر، و لا منشغلاً عن
القراءة، فيستصحب معه -مثلاً- كتاب الله يقرأ فيه في أوقات فراغه، و يذكر ربه في
أوقات فراغه، و يصلي ما قدر له، و يأتي بورد صغير معه. و هذا قد ربح نوعاً من
الربح، و إن لم يكن الربح الأكمل، فهذا على طرف، لكن فاته الخير الكثير.





القسم الثالث: يحيونها في اللهو و اللغو:


و
يشمل أغلبية الناس؛ فإننا نراهم يحيون ليلهم، و لكن في لهو، و سهو!! فتراهم
يجتمعون في بيوتهم و مجالسهم يتبادلون الفكاهات و الضحك، و القيل و القال، و ربما
تجاوز الأمر بهم إلى الغيبة، و إلى النميمة، و إلى الكلام في أعراض الناس، و ما
أشبه ذلك، و لا يذكرون الله في مجالسهم إلا قليلاً، و لا يستصحبون شيئاً من
القرآن، و لا من كتب الدين و العلم!





و
ينقطع ليل أحدهم، أو ليل جماعتهم ليس لهدف سوى نوم النهار، هكذا قصدوا! فيفوت
عليهم الأمران:


الأول:
أنهم لا يشاركون المصلين في الصلوات، و لا يشاركون القراء في قراءتهم.





و
الثاني: أنهم لا يشاركون أهل الأرباح الدنيوية في أرباحهم، فيفوت عليهم هذا
و هذا!


و
لا يحزنون على خسارتهم، و أي خسارة تلك التي لا يشعرون بها؟! ألا و هي مضي هذه
الأيام و الليالي الشريفة دون أن يستغلوها، و دون أن يستفيدوا منها.


فما
أعظم خسارتهم! و ما أعظم حسرتهم حينما يرون أهل الأرباح قد تقاسموا الأرباح! و
حينما يرون أهل الحسنات قد ضوعفت لهم حسناتهم. فهؤلاء لا خير دين، و لا خير دنيا،
بل ربما يكتسبون مآثم بكلام لا فائدة فيه؛ فإن كلام ابن آدم مكتوب عليه، يقول الله
تعالى: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))(ق:18).





و
يقول النبي صلى الله عليه و سلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ذكر الله
و من والاه، و أمر بمعروف، و نهي عن منكر".


و
يصدق على ذلك قول الله تعالى: ((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو
معروف أو إصلاح بين الناس))(النساء:114).







و
هؤلاء قد يكتب عليهم ما يُسألون عنه، و يحاسبون عليه: لماذا قلتم كذا؟ و لماذا
تكلمتم بكذا؟ و لماذا لم تستخدموا ألسنتكم التي سخرها الله لكم في ذكر الله؟ و
لماذا أبعدتم آذانكم عن استماع ما فيه طاعة الله تعالى، و فيما يرضيه؟ فلا يجدون
لهذا السؤال جواباً!






القسم
الرابع: يحيونها في المعاصي كبيرها و صغيرها:


و
هؤلاء كثير أيضاً -و العياذ بالله- و هم الذين يحيون هذه الليالي الشريفة في ضد
الطاعة! فتراهم يسهرون على آلات اللهو، و المجون: ينصتون إلى الأغاني الفاتنة، و
إلى الأشرطة الماجنة، و إلى رؤية الصور و الأفلام الخليعة!





و
ربما زادوا على ذلك هذه النظرات التي ينظرونها إلى ما يثير الشهوات المحرمة؛ فإن
سماع هذه الأغاني الفاتنة يزرع في القلوب محبة الزنا و الفساد؛ فيدفعهم ذلك إلى
طلب المحرمات. و كذلك فإن مشاهدتهم لتلك الصور الخليعة تزرع في قلوبهم محبة الشرور
فتدفعهم اندفاعاً كلياً إلى أن يأتوا ما لا يحل لهم من زنا، أو شرب خمر، أو ما
أشبه ذلك. و كثير منهم لا تحلو مجالسهم و لا تلذّ إلا إذا شنَّفوا أسماعهم
بالأغاني الخليعة! و متّعوا أعينهم بالصور الهابطة! و عطَّروا أفواههم بالكلام
القبيح! و ملأوا شهواتهم و بطونهم بالأشربة المحرمة من خمر و نحوها! فيجمعون بذلك
بين ترك الطاعة، و ارتكاب المعصية، أو ما يسبب محبة المعصية.





فمثل
هؤلاء مع كونهم محرومين، فإنهم آثمون إثماً كبيراً، و هؤلاء موجودون بكثرة، و يشكو
منهم كثير من الهيئات ممن يأمرون بالمعروف، أو ينهون عن منكر بكثرة، و غالباً ما
يعثرون عليهم حتى في نهار رمضان و يقبض عليهم و هم في سكر!! فلا صيام، و لا ابتعاد
عن المحرمات! و سبب ذلك أنهم طوال ليلهم و هم يتفكرون بهذه المحرمات كما زعموا!
فيتمادى بهم ذلك إلى محبة هذه المعاصي، و التلذذ بها، فيستعملونها في النهار و
يتركون الصيام، الذي هو ركن من أركان الإسلام، و يجمعون بين المعصية و ترك الطاعة
-و العياذ بالله-.





و
كثيراً ما يختطفون النساء في الأسواق! و يتابعونهن، و يلمزونهن! و ذلك كله من
أسباب ضعف الإيمان و قلته في القلوب، و حلول المعاصي و مقدمات الكفر بدلاً منه.





فهذه
أقسام الذين يحيون هذه الليالي، فليختر المسلم لنفسه ما يناسبه من هذه الأقسام





من مواضيعي :
الرد باقتباس