|
قصص حقيقية قصص يومية, قصص من المـاضي, قصيرة وطويلة |
|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
||||
|
||||
العائدة إلى الله،،،،
جاءته تبكي من زمان قد سلف
عمَّه اللهو وأعماه الترف كارهة لكل شيء يُقترف من لاذ بالرحمن يا بشراهُ فأقبلت على كتاب ربها وحبُّ ما يحويه مِلءُ قلبها واتخذت هُداه زاد دربها من لاذ بالرحمن يا بشراهُ جاءته في ثوب حياء تائبة في عفوه الواسع جل راغبة وكلَّ خير من لدنه طالبة من لاذ بالرحمن يا بشراهُ العائدة إلى الله تمهيد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله التواب الرحيم ، القائل في كتابه الكريم : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )(1) والصلاة والسلام على سيد الأوابين ،وخاتم الأنبياء والمرسلين ، محمد بن عبد الله الأمين ،القائل : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )(2) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : أيتها الأخوات المؤمنات 00السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . موضوع حديثنا هذه الليلة بعنوان : العائدة إلى الله تعالين –أخوات الإيمان- نمضي في إجلال وإكبار ،وخشية واعتبار ،مع قصة يتفطر الفؤاد لسماعها،مع حدث غريب عجيب،قصة فتاة عرفت الله بعد الغرق في بحار المعاصي والآثام إلى الأذقان ،قصة تُذرف الدموع لسماعها،وتنخلع القلوب لهولها . يا حليف المعاصي تعال لتعتبر بالتائبين،يا غارقاً في لهوه، سادراً في سهوه،تعال شارك التائبين أفراحهم،ويحك أيها المذنب أما آن لك أن تتوب ، ويحك يا غافلاً عن طاعة الله ،حتى متى هذه الغفلة؟! أما بان البين، وحان الحين، وآذن المنادي بالرحيل، تعال أخي لسماع قصة العائدة إلى الله . أختاه يا أمة الله ،أختاه يا فتاة الإسلام ،كوني في زمرة التائبين، والحقي بالركب ،فإن الركب قد سار ،يا من فُتنت بالأزياء والموضات، يا صاحبة الملابس الناعمة الملونة، تعالي يا من بعتِ نفسك للهوى والشهوات ،تعالي يا من ضللتِ تفتنين الشباب ،وتلبسين أجمل الثياب ،يا من سهرتِ على معاصي الله ،في رقص وغناء ،يا من سقطتِ بين أحضان الرجال،وصحبتِ من الشباب الأنذال ،أما آن لكِ-أختاه- أن تتوبي إلى الله ،وتقلعي عن غيك وهواك ،أختاه يا أسيرة الخطايا والذنوب ،تعالي استمعي إلى من ذاق من ألوان الفساد ،وتقلب في أحضان الآثام، استمعي إلى قصة العائدة إلى الله . وكأن قائلاً يقول : أخي ، قد شوقتنا لسماع قصة هذه الفتاة ،فمن هي هذه العائدة إلى الله ؟ ما قصتها؟ وماذا فعلت ؟ وكيف تابت وعادت إلى الله ؟ وأين هي الآن ؟ نريد أن نراها ، نريد أن نحذوا حذوها في العودة إلى الله ؟ هل هي من بلادنا ؟ أم من بلاد آخر ؟ بداية القصة نعم، إنها من بلادنا ،وفتاة من فتياتنا، ممن أنبتت عمان ، وعاشت في ربوعها ،وإن كانت ولادتها في غير هذا البلد الكريم،بسبب أن أباها تزوج بأمها من دولة أجنبية، ومنكن من سمع عن قصتها ،ولكن الكثير لم يعرف أمرها ،فيالها من فتاة ضربت أروع الأمثلة في العودة إلى الله . كانت فتاة صغيرة ،عندما داعب عينيها نور هذا الوجود ، جاءت كما يأتي أي مولود ،فيها براءة الطفولة ،يعلو محياها الجميلَ البشر والسرور، ولكنها لم تجد ذلك المحضن الجميل الذي يأخذ بيدها إلى نور الله ،فأمها على غير دين الإسلام ،تدين بالديانة النصرانية،ولا يخفى على أحد أن الأم مدرسة، تعلم الأجيال، وتسكب في قلوبهم كثيراً من المبادئ والقيم، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانيه، أو يمجسانه )(1)، فأنى لمثل هذه الأم أن تربي الأبناء على شيء من تعاليم ديننا الحنيف، بل كانت تسعى جهدها لتحمل أبناءها على النصرانية حملا، فكانت تحملهم إلى الكنيسة، ولكن لطف الله وعنايته كانتا تحوطان هؤلاء الأبناء مما يراد بهم، فما إن يصلوا إلى الكنيسة حتى يفقدوا الوعي، ليعودوا إلى البيت سالمين من دنس النصرانية . أما أبوها فحاله تعرف من اقترانه بهذه المرأة، فكيف يكون حال من رضي أن تكون شريكة حياته نصرانية، تشاطره زهرة عمره، وتحتضن أولاده، ومع ثرائه الباذخ ومكانته المرموقة بين الناس، لم يلقِ للدين بالاً، ولم يقم له وزنا،فلم يهتم بتربيتها الدينية والخلقية، لذلك نشأت هذه الفتاة بعيدة عن الدين كل البعد . نشأت في نعيم وبذخ كبير ،وترعرعت في ترف ونعمة ، لا تحلم بها فتاة في مثل سنها ، كل شيء لديها ،خدم وحشم ،سيارة وسائق ،أزياء وفساتين ومجوهرات، لا يُرد لها طلب ، ولا تحس بتعب ولا نصب ، كل شيء بين يديها ،إلا شيئاً واحداً هو غذاء الروح ، هو جوهر النفس ، إنه الإيمان بالله ، إنه الإسلام . لم تعرف من الإسلام إلا الاسم ،وأنها مسلمة ، وأن أباها مسلم، لا تهتم بصلاة ، بل لا تعرف ما هي الصلاة ، لا صوم ولا قراءة قرآن ، حياة في القصور والنعيم ، ترعرعت بعيداً عن اليد التي تحسن تشكيلها،بعيداً عن العين ترعى حركاتها، بعيداً عن أذن تسمع أنينها، من يراعي مشاعرها؟ ومع من تفرغ عواطفها، لا أحد سوى رفيقات السوء اللاتي يتناسبن مع مستواها المادي والفكري، إنها صاحبت رفيقات سوء عرفن بقلة أدبهن، وذهاب حيائهن، ويسرن في الحياة على نهج الحداثة والتحرر، آباؤهن لا يسألون عنهن، أنجبوا ونسوا أنهم أنجبوا، بل نسوا أنهم مسؤولون عن أمانات سيسألهم الله عنها يوم القيامة . يالها من حياة ما أتعسها وما أشقاها،عندما يكون العبد بعيداً عن خالقه ومولاه، ما أشقاك أيها الإنسان ، تأكل نعمة الله ولا تؤدي شكرها، تتقلب في النعيم ،وتنسى المنعم العظيم ،إنها ليست بحياة الإنسان المكرم ؛الذي أورثه الله خلافة أرضه . تحكي لنا تفاصيل قصة العائدة إلى الله صديقتها الصالحة أيام الدراسة في المرحلة الثانوية، فتقول: وقبل نهاية العام بأسبوعين، لاحظت التغير المفاجئ البادي عليها، وجهها، نظراتها، لباسها، كلامها، من يراها وله سابق معرفة بها، لن يشك أنها مريضة، أو أنها تعاني من ضيق يضطرم بداخلها . اعتزلت الجميع، قررت الوحدة والعزلة، لا تكلم صويحباتها، بل إنها ابتعدت عنهن، حاولت استمالتها، والتحدث معها، والوصول إلى سويداء قلبها، ولكن سبقت عبراتها عباراتها، أجهشت بالبكاء، حاولت تهدئتها . وبعدها قالت لي: أنت طيبة إذ فكرتي في الجلوس مع واحدة مثلي، إن أمثالي يدنسن وينجسن القاعدين حولهن، لنتن الرائحة المنبعثة مني ومن أمثالي، ثم إنها رائحة ذنوبي وآثامي. لقد بدأ اليأس يدب في جسمها وعظمها وعصبها، لعظيم ما اقترفت، ولكني كنت أردد أمامها قوله تعالى ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) . قالت لي: أنت لا تعلمين عني شيئاً إلا في نطاق المدرسة، لا تعلمين الفضائع والفضائح التي أمارسها خارج هذا السور، وبدأت تحكي قصتها لصديقتها الصالحة، التي جمعت لنا أحداث قصتها، وأخذت بقية الأحداث من ابنة عم العائدة إلى الله، كما أوصتها بذلك الفتاة بنفسها . إهمال أولياء الأمور لأبنائهم هكذا كانت بداية حياة هذه الفتاة ،ولما شبَّت عن الطوق، علقتها صديقة لها ،كانتا كثيراً ما تجلسان سوياً ،في أحاديث شيطانية، ومع غياب المراقبة كان لفتاتنا صديق، ولصاحبتها صديقان، كانوا يخرجون سوياً، بدون قيد أو شرط . ولندع الحديث لفتاتنا لكي تتحدث عن نفسها فتقول: كنا نخرج من المنزل، ولا نعود إليه إلا بعد منتصف الليل، هكذا في أيام الدراسة، أما أيام العطل فحدث ولا حرج، نخرج من الساعة السابعة صباحاً، ولا نعود إلا والفجر قد بدا بصيصه . رحلة إلى صلالة وفي أحد أسابيع العطلة خرجنا في رحلة إلى منطقة بعيدة جداً عن مكان سكننا، تستغرق الرحلة يومين، تعني صلالة- وكنا حوالي ثمانية أشخاص، ستة شباب وأنا وصديقتي، أعلم أن العدد مروع، ولكن أسأل الله أن يبعد عنا كيد الشيطان . وتواصل الفتاة حديثها: وعندما وصلنا ذهبنا للمطار لاستقبال مجموعة من الفتيات، لنكمل ( الشلة ) الشيطانية، ثم ذهبنا لأحد الفنادق، واحترنا في أمرنا، هل نأخذ غرفتين، أم مجموعة من الغرف لكل شاب، ولكني أنا أول من رفضت هذه الفكرة، واقترحت عليهم أن نأخذ غرفتين، واحدة للفتيات، والأخرى للشباب، ولكنهم أصروا على ما هم عليه، فأخذت برأيهم، وبقيت معهم حتى قارب وقت النوم، ذهبت إلى غرفة بمفردي . وفي اليوم التالي وافقوا أن نجلس مع بعضنا البعض، طوال اليوم إلا وقت النوم، كل يذهب إلى غرفته، واستمرت هذه الحالة لمدة أسبوعين . كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته وقبل أن نواصل حديث هذه التائبة الشيق، لا بد أن نعلق على أحداث هذه الرحلة مع هؤلاء الشلة –كما تقول : لقد أُعطيت هذه الفتاة مطلق الحرية،تتصرف كيفما تشاء ،وتذهب أينما تشاء، وتخرج مع من تشاء ،تنتقل من رحلة إلى رحلة ، ومن سهرة إلى سهرة، ومن ملهىً إلى ملهى، فيالله أين المراقبة لهؤلاء جميعاً من قبل أولياء الأمور؟ أليس هذا تضييع للأمانة الملقاة على رقابنا ،ابنك فلذة كبدك تتركه يهيم على وجهه، كما تهيم الأنعام، وإذا كان هذا في حق الولد، فما بالنا بالبنت التي هي كالريحانة، كل يشتهي جنيها وقطفها، كيف يرضى العاقل اللبيب أن يترك ابنته تذهب مع الأخدان، وتصاحب الخلان، إي والله لقد ذهبت الغيرة من نفوس كثير من الناس، حتى أصبح البعض لا يفرق بين النور والظلام، والهدى والضلال، والحق والباطل، والخير والشر،فلتبكي على أمثال هؤلاء الآباء البواكي، إن لم يسارعوا بالمتاب إلى رب الأرباب . كانت تظن فتاتنا في تلكم الرحلات بأنها قد بلغت القمة، فهي تجالس الأخدان، وتسهر معهم، حتى إذا كانت الساعة الأخيرة من الليل ،وأوشك الفجر على الانشقاق ، ذهبت في سبات عميق، وأحلامٍ موصولة بطموحاتها ومستقبلها ،ثم لا تستيقظ إلا وقد علا النهار، ولكن أين صلاة الفجر ؟ أي صلاة تعني ،إنها لم تعرف تلك الصلاة يوماً من الأيام ،ولا عرفت ذلك الذي يسمى ضوء الصلاة ،بل إنها لا تعرف القبلة التي يتوجه لها الناس،عند أدائهم للصلاة. أليست تلك فتنة عمياء، يزينها الشيطان للإنسان، حتى يلقيه في الخسران ،إنه ما خلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ، كما قال نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام . وأي فتنة أعظم من أن يلتف هؤلاء الفتيان مع هؤلاء الفتيات بدون قيد أو شرط، وهم في ميعة الشباب وحداثة السن، أهم من جنس الملائكة معصومون من الزلل، أو أن الشهوة المحرمة معدومة بينهم ،أو أنهم أطهار السريرة-كما يقولون، فلا تسمح لهم عفتهم بتعاطي كؤوس البغاء فيما بينهم، أي تسامٍ هذا الذي يزعمون ،إنها حبائل الشيطان، فالحذر الحذر أيها المربون، لا تطلقوا لأولادكم العنان، وربوهم على منهج القرآن . تلك هي فتاتنا التي تحلم بليالي السمر،مع أجمل سهراتها ، وأمتع لحظاتها، مع الموسيقى الصاخبة، عالم غريب عجيب، وفتاتنا ترقى إلى المجد والقمة، حتى ظنت أنها لو أرادت النجوم لصاغتها عقداً جميلا، ونسيت فتاتنا خالقها، نسيت من أوجدها من العدم، غاب عنها ما هي فيه من النعيم، نسيت نعمة الصحة في البدن، نسيت نعمة العمر وزهرة الشباب، نسيت نفسها في خضم تلكم التيارات، التي تقذف بها ذات اليمين وذات الشمال. لقد أضاعت أعظم جوهرة، إنها العقل المدبر المفكر، الذي يرشد إلى علام الغيوب، وأنى لها بذلك، ولم تجد من يأخذ بيدها إلى بر الأمان، لم ترَ من يصلي ولا من يقرأ القرآن، إنها قد ابتعدت عن الرحمن، فقذفت بها الأمواج إلى ساحل جزيرة موحشة كثيرة السباع، الكل يريد أن يقضي لبانته منها، بعد أن يفترسها ويأكلها لقمة سائغة، لقد سافرت فتاتنا سفراً بعيداً في طريق مظلم، لم تدرِ كيف السبيل إلى الخروج منه، ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور )(1) . ولكن أما آن الأوان لفتاتنا أن تعود بعد غياب طويل عن طاعة الله؟! أما آن لها أن تحن إلى القرآن، أما لها أن تخضع وتخشع للرحمن؟! أما سئمت هذا الطريق الطويل، أما أتعبها هذا السهر الدائم؟! ألم تستفق من أحلامها بعد؟! أما كفاها الضحك والمجون؟! ألم تعتبر بمر السنون؟! كيف ترضى أن تحيا حياة البهائم؟! كيف تحب أن تعيش عيشة السوائم؟! أما كشف لها فكرها الطموح زيف هذه الحياة التي تحياها؟! أما أدركت بأنها مجرد متعة يستمتع بها المستمتعون؟! فهم كالذئاب يريدون أن يفترسوها، ثم يتركونها عرضة للضياع، أليس هذا هو شأن كثير ممن ابتعد عن منهج الله ؟! لقد آن لك أيتها الفتاة، أن تعودي إلى الله، فقد ناداكِ داعي الله، فهلمي إلى بر الأمان، وإلى حظيرة الإيمان . الرجوع إلى الله لقد شاء الله أن تتوب هذه الفتاة، وأن تودع أيام الجهالة والضلالة، وأن تخرج من ظلمات الهوى والانحراف إلى نور الإيمان، وأن تعود عوداً حميداً إلى حظيرة الإسلام . ولكن كيف تابت تلك الفتاة؟ وما الذي غير مجرى حياتها؟ونبهها من غفلتها؟ ومن هو الذي دق ناقوس الخطر، حتى ينتشلها القدر من هلاك محقق وخسار أكيد . تعالين أخوات الإيمان لنتابع حديث فتاتنا الشيق، وهي تروي سبب رجوعها إلى الله فتقول: وبعد فترة من خروجنا لهذه الرحلة، خرجت مع صديقتي من الساعة الخامسة مساءً وحتى الثانية ليلاً، وفي أثناء طريقنا إلى البيت، اقترحت علي صديقتي أن أذهب معها إلى بيتها، فقلت لها: تعالي أنتِ إلى بيتنا، لأن بيتنا لا يوجد به أحد . ثم تواصل فتاتنا حديثها: ولعلكم تتعجبون من هذا، نعم لا يوجد أحد، أبي دائماً خارج البلاد، وأمي معه، وأختي تدرس في الخارج، وإخواني دائماً مشغلون مع رفقاء السوء، فلقد أطلق لي زمام الأمور، وجعل لي الحبل على غاربه، وحتى لو كان أبي في البلاد، فوجوده كعدمه سيان، تمنيت لو لم يكن لي أب أصلاً، كم أحس بالغيرة تضطرم في نفسي، عندما أسمع استقبال الأبناء لآبائهم، عند رجوعهم من السفر . لم استقبل أبي إلا مرتين فقط، مرة في المطار، ومرة في البيت، لأنني لم أتعود فراقه، بسبب إني كنت معه في غربة، وولدت في غربة، وأمي أجنبية نصرانية، وكان أبي لا يغرس في قلوبنا مبادئ الدين، وهذا شجع أمي أن تغرس فينا مبادئ النصرانية، كنت لا أحس برجوع أبي إلا عن طريق كثرة حركة الخدم في البيت، أما أمي فكنت أسمع بوجودها، ولكني لا أراها إلا في آخر يوم قبل سفرها، أو أني أسمع أنها رحلت . سبب عودتها إلى الله المهم أنني نزلت عند رغبة صديقتي، وذهبنا معاً إلى منزلهم، وكذلك منزلهم لا يوجد به أحد، دخلنا وجلسنا، كل مع قرينه في مجلس-تعني أنها جلست مع زميلها، وجلست صديقتها مع زميلها-وبينما أنا وقريني نتحدث، إذ بصوتها تناديني، وتستأذنني في الذهاب إلى غرفتها، وأنها ستعود بعد قليل. وبعد قليل سمعت صوتها مرة أخرى تناديني، فقمت أنا وصاحبي إلى مصدر صوتها، وإذا بنا نشاهد منظراً هدَّ كياننا، وأرعب وجداننا، واقشعر بسببه كل عصب في أبداننا . لم أتوقع أن أراها بتلك الصورة الخليعة، لم أعلم أن من أصاحبهم هذا شأنهم، فلم أشعر إلا وقد لطمتها على وجهها لطمة قوية، سقطت على إثرها على الأرض . إذن هذه هي الثمرة التي نجنيها من وراء إهمال أبنائنا، لقد رأت فتاتنا بعينيها صديقة عمرها، وزميلة آمالها وأحلامها، رأتها في أحضان شاب، تتقلب بين يديه، لقد دارت الدنيا برأس فتاتنا، وكادت تسقط على الأرض من هول ما رأت . أتجرأُ صديقتها على فعل ذلك؟ ولعلها كانت على موعد مدبر من ذي قبل مع ذلك الشاب، أي خيانة هذه؟ لقد ثارت النخوة في عروق فتاتنا، وذهبت بها الغيرة كل مذهب، فلم تتمالك نفسها، إلا أن صفعت صديقتها صفعة قوية، فقدت صديقتها وعيها على إثرها . الندم أول التوبة وخرجت فتاتنا من هناك، وهي تذرف دموع الندم، وتَعَضُّ أصابع الحسرة على هذا الضياع، لقد نزلت عليها السكينة، فلم تتمالك دموعها، وقد اضطرب جسدها، واقشعر جلدها، كأنما سرى تيار كهربائي في ضلوعها، لقد أحست لأول مرة بالندم والضياع، لقد كانت ميتة الحس والوجدان، لقد كانت ضائعة، فاستفاقت من ضياعها وسكرتها، عندما لسعتها سياط الحسرة والندم . وتواصل فتاتنا حديثها فتقول: بعدها خرجت ولم أدرِ إلى أين أتجه، أريد مخرجاً، لم أجد مهرباً إلا البيت، ذلك المكان الذي لا أريد أن أراه بأم عيني . الترف سبب التلف دخلت البيت وإذا بصوت الموسيقى والغناء يهز أركانه، وضحكات الشباب والفتيات تملأ جوانبه، بحثت عن مكان أناجي فيه ربي، صوت داخلي يدفعني إلى ذلك، لم أجد إلا المجلس، كانت الساعة حوالي الرابعة فجراً، فتحت المذياع، حاولت البحث عن صوت ينقذني، صوت يريحني، وإذا بصوت محاضر يحاضر عن الموت وما بعده، صغت جميع أعضائي لها، انتقلت إلى عالم آخر، لم أدرك ما حولي، وما صحوت مما أنا فيه إلا على صوت الأذان، يجلجل في مسامعي . ذهبت إلى غرفتي لأصلي، ولكني لا أريد أن أدخل الغرفة، أهي غرفة أم مكان تستثار فيها الغرائز الحيوانية؟ كل صوب وكل زاوية فيها لا يخلو من صورة خليعة، صور صرفت فيها مبالغ باهضة ،الإطار فقط كلفني ما يزيد عن خمسين ريالاً، أثاث غرفتي عبارة عن أثاث (تيتانك)، وهذا الاسم هو اسم لفلم أجنبي خليع، كل لقطة من لقطاته خليعة، لم أحس بنفسي إذ قمت بتمزيق وتكسير كل هذه الصور ،رغم ثقلها وكبر حجمها، ولكن الله أعانني وارتحت بعدها . إذن لقد كرهت فتاتنا كل شيء حولها، لقد عضت على أصابع الندم، أهذه الحياة الحقة التي يحلم بها كل إنسان؟ لقد بدد ذلك الموقف؛ الذي رأته في غرفة صديقتها كل أحلامها، لقد صفعها صفعة غيرت كيان حياتها، إنها تشعر بالضياع، بعدٌ عن الله، ونكرانٌ لنعم الله، وهتك لستر الله، سهر ومجون، ورقص وفنون، تأكل وتشرب وتسهر وتنام، أهذه هي الحياة الحقة؟ أهذه هي السعادة التي أرادتها ؟ الصلاة عمود الدين وغذاء الروح ثم تواصل حديثها قائلة: أردت أن أصلي، ذهبت لأتوضأ، ولكن كيف هو الوضوء؟ فأنا لم أتوضأ منذ أن خرجت لهذه الدنيا، عممت الماء على جسدي كله، ثم خرجت من دورة المياه لأصلي، ولكن كيف هي الصلاة؟ وعلى ماذا أصلي؟ فبيتنا لا يوجد فيه سجادة، ثم وجدت سجادة لجدتي، فهي الوحيدة التي كانت تصلي، فرشت السجادة، وأنا لا أعلم اتجاه القبلة، كبرت وقرأت فاتحة الكتاب، ثم ماذا؟ لا أعرف . سجدت ولأول مرة أخفض جبهتي، استغرق سجودي ساعة كاملة دون أدنى مبالغة، وما قمت من سجودي إلا على صوت قارئ يقرأ سورة القيامة، بصوت عذب يتسلل إلى الأرواح، وبعد انتهائه من القراءة، حاولت البحث عن مصدر الصوت، لكن دون جدوى . إنها تريد أن تصلي بعد أن لم تكن تعرف الصلاة، إنها أشد ما تكون إلى أن تخر ساجدة بين يدي الله، باكية على ذنوبها، إنها تجهل كل شيء عن دينها . تقول: فكرت أن أخرج من المنزل، ولكن إلى أين؟ أحسست بأنوثتي في حينها، أحسست أنني فتاة ولا يليق بي أن أخرج وحدي بمفردي، مع أني كنت أسهر الليالي، وأقضي الأيام وأنا خارج المنزل، لكنني لا أطيق جو البيت، أريد أن أهرب . يالله ما الذي غيرها، حتى انقلبت رأساً على عقب، لقد أدركت فتاتنا أخيراً أنها يجب أن تعود إلى الله، يجب عليها أن تترك حياة اللهو والمجون، ولكن من الذي يأخذ بيدها، ويوصلها إلى بر الأمان، هل هي أمها التي هي على غير ملة الإسلام؟ أم أبوها الذي تعود على الأسفار والأعمال الكثيرة؟ يالها من حياة ما أتعسها، ومن فتاة ما أشد ضياعها . فبم تلوذ؟ وبمن تستعصم؟ إنها تعتصم برب الأرباب،ومسبب الأسباب، (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب )(1)، ولكن من يأخذ بيدها إلى ذلك الطريق الذي لم تعرفه؟ ومن يدلها على نور الحق وبرد اليقين . العم الصالح لقد تذكرت فتاتنا أن لها عماً صالحاً تقياً، ربى أبناءه على طاعة الله، هذا العم الذي حُرمت من الجلوس معه؛لأن أباها كان يمنعها من زيارته، حتى لا يفسد عليها أخلاقها ويعقدها بالدين-كما يقولون- منعها من زيارته، وأمرها بمقاطعته، لكن هل تبقى فتاتنا على تلك المقاطعة؟ وهل ما زالت تخاف من عقاب أبيها الصارم، إن ذهبت إلى عمها الصالح . كلا والله، لقد آن الأوان لأن تخترق ذلك الحاجز، وأن تذهب إلى ذلك العم، مهما كانت النتائج، وهي على أتم الاستعداد لتحمل أي تبعة تلحقها من وراء ذلك القرار الذي قررته، لقد انفتح لها باب الضياء والنور، فهل تغلقه؟ لقد رأت الحق المبين، فهل يا ترى توصد على نفسها الأبواب؟ كلا لقد آن الأوان لها أن تزور عمها وليكن ما يكن . تقول فتاتنا: وبعدها تذكرت أن لي عماً، قررت أن أذهب إليه، ولكن كيف أذهب إليه؟ عمي رجل يعرف ربه ودينه، وملابسي كلها خليعة فاضحة، أحسست أني جوهرة يجب أن تصان . ثم تذكرت أن عمتي أهدتني منذ فترة ثوباً ساتراً، وعباءة وحجاباً ومصحفاً، ما إن تذكرتها إلا ونزلت مسرعة إلى الطابق الأرضي، وأخذتها من الخزانة ولبستها . نعم، هل تذهب إلى بيت عمها الصالح، وبناته المحتشمات بأمثال تلك الملابس الفاضحة؛ التي تظهر مفاتنها؟ إنها الآن لا تذهب إلى حفلة مجون، بل تذهب إلى رحاب الله، ماذا تفعل وكل ملابسها قصيرة رقيقة، لقد وجدت ذلك اللباس الساتر، الذي سترت به عورتها، وكأنها تستر عيوبها ومآسيها الحزينة المؤلمة، ياله من لباس طاهر، ما أحسنه وما أبهاه، وما أجمله وما أحلاه ! تقول العائدة إلى الله: اتصلت بسائق جدتي، الذي لا يخرج إلا وزوجته معه، تفاجأ بمكالمتي لأنه لم يخدم أحداً من بيتنا غيرها، خرجت خارج المنزل انتظره، ولكنه رآني ولم يعرفني، وقد اعتذر لي فقد كان ينتظر خروجي . إنه لم يعرفها لأنه ما تعود أن يراها بهذا اللباس الساتر . ثم تقول: طلبت منه أن يوصلني إلى منزل عمي، تفاجأ السائق وزوجته كثيراً، فلم تتمالك زوجته نفسها، وأجهشت بالبكاء حمداً لله على رجوعي لربي . وصلت منزل عمي، فتح لي هو الباب، لم أتمالك نفسي، ارتميت في أحضانه، قبلته، أجهشت بالبكاء، وعمي مندهش لا يعرفني بعد، ولكن بعدما علم أنني ابنة أخيه، انسكبت العبرات من عينه، حتى اخضلت لحيته،أخذ بيدي إلى المجلس، حاول أن يعرف مني الموضوع لكن دون جدوى . إذن لقد نطق حالها قبل أن ينطق لسانها، لقد عرف العم كل شيء قبل أن تنطق بكلمة واحدة، وعلم أنها لا بد أن تعود يوماً من الأيام إلى حظيرة الإيمان، لأن الذي يمضي في طريق مسدود لابد وأن يعود إلى نقطة البداية من جديد . التوبة النصوح ( ثم تاب عليهم ليتوبوا ) وهاهي الآن تعود، لتسطر توبتها الصادقة النصوح، بمداد دموعها الصادقة، وكأن لسان حالها يردد قول الله تعالى ( قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين )(1) إنها تسمع نداء الحق يناديها، ولو لم تقرأ القرآن طوال حياتها ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلمواله من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين )(2) . إنها استجابت لأمر الله، وسارعت إلى رحمة الله، تنفيذاً لأمر الله ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )(1) . لقد فهم العم كل شيء، إنها تابت إلى الله، وعادت عوداً حميداً، وأنابت مع المنيبين، وحق لمن تاب أن يتاب عليه، أوليس الله يقول : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى )(2) أو ليس التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نعم إن التائب حبيب الرحمن، وإن الله ليفرح بتوبة عبده، إنه هو تاب وأقلع عن غيه . وقد جاءت فتاتنا فارة من ذنوبها، تريد الخلاص، تريد الفوز والفلاح، تريد أن تهجر حياة اللهو والمجون، وأن تكون أمة خاضعة لله، عابدة خاشعة، تريد من يأخذ بيدها إلى مرضاة رب العالمين. لقد أدرك العم كل ذلك، فضمها إلى صدره،وكأنه يسكب في قلبها برد اليقين، والوثوق برحمة رب العالمين، وعدم القنوط من رحمته وواسع مغفرته . لقد وجدت الحنان لأول مرة عند عمها، الحنان الذي لم تذق طعمه في أسرتها وبين أبويها. ثم تواصل التائبة كلامها: أراد عمي أن ينادي بناته، ولكنني رفضت وطلبت منه أن ينادي واحدة منهن فقط لأسألها . ذهب العم وحذر ابنته من أن تتفاجأ بأسئلتي، جاءت ابنة عمي، قلت لها: أريد أن أصلي، قالت لي: هذه دورة المياه، وهذه السجادة، قلت لها: ولكن كيف أصلي؟ أنا لا أعرف الوضوء ولا الصلاة، قالت: سأعلمك أنا ، لا عليك، قلت لها: هناك غسل من الحيض، أليس كذلك؟ قالت: نعم، فقامت ابنة عمي بإيضاح كل ما خفي علي، ولم تقصر في ذلك أبداً . تقول ابنة عمها عنها: عندما خرجت من الاغتسال أحسست أن نوراً يملأ وجهها، وأدركت فعلاً أن الله أخرجها من الظلمات إلى النور، علمتها كيفية الصلاة، وكانت صلاة الضحى . القرآن غذاء الروح ثم طلبت مني أن أتركها وحدها، لا تريد أن ترى أحداً لمدة ثلاثة أيام، سألتها عن الطعام، عن الشراب، قالت: لا أريد إلا مصحفاً؛ لأن روحي هي التي تحتاج للغذاء . ثم طلبت مني أن أعود إليها وقت صلاة الظهر، لمراجعة كيفية أداء الصلاة، أردت أن أقول لها: بأنه لا يمكن أن يطبق الإنسان الشيء على أكمل وجه من أول مرة، ولكني لم أستطع، وسبحان الله كانت المعونة الإلهية مصاحبة لها، في كل خطوة تخطوها، حاول أبي أن يعرف منها سبب هذا التغير، لكنه فشل . وبعد مضي ثلاثة أيام تجمع الأهل لتفاجئهم بخبر رجوعها إلى ربها، فاستقبلوها استقبالاً حاراً، وكانوا يشعرون أن التي تمشي بينهم هي نور يسطع، ويضيء أرجاء المنزل . لقد تطهرت لأول مرة وشرعت في أول صلاة في حياتها، وكأنها لأول مرة تتصل بربها وخالقها، كأنها رحلت من هذا العالم المتلاطم الأمواج إلى عالم علوي رباني، تهيم فيه القلوب،وتتصل فيه بعلام الغيوب، إنها صلاة ما أجملها وما أحلاها، تؤديها في هيبة وجلالة وإكبار، لكي تطهر أدناسها، وتخلع جميع أثواب الخلاعة والنذالة والمجون، إنها عودة صادقة من قلب صادق، عرفت طريق الله بعد طول هجران . وبعد أن قضت صلاتها،التي سكبت في قلبها أنوار الحق وبرد اليقين، وغسلت ما تراكم على قلبها من أدران، أحست بسعادة غامرة لم تشعر بها في لحظة ماضية من لحظات عمرها، إنها سعادة الاتصال بالله عز وجل، وصدق الله وهو أصدق القائلين ( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )(1) . بداية حفظها للقرآن الكريم تقول ابنة عمها: بعد ذهاب الجميع تفرغ أبي للجلوس معها، طلبت منه أن يساعدها في حفظ القرآن الكريم، وتطبيق أحكام التجويد والتفسير . فقد كانت تقول: إنها لن تستطيع أن تحفظ القرآن إلا بعد خمس سنوات، وتحس أنها ستفارق الحياة قبل ذلك . وسبحان الله فقد أكرمها الله بحفظ أربعة أجزاء خلال أسبوع واحد، قد يبدو هذا غريباً، ولكن الله إذا أحب عبداً أكرمه . كانت تستغل وقتها بقدر ما تستطيع، تنام بعد صلاة العشاء مباشرة، وتقوم الليل من الساعة الثانية إلى حين وقت صلاة الفجر، حاولت أن أقتدي بها ولو بالجزء اليسير، لكنني لم أستطع،كانت تقرأ جزءاً ثم تصلي أربع ركعات، وهكذا حتى صلاة الفجر . إذن لقد عاهدت نفسها أن لا تنام بعد الثانية ليلاً، وإنما تبيت راكعة ساجدة، مرتلة للقرآن الكريم، وتنكب على حفظه آن الليل والنهار. كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون يالله ما الذي غيرها؟! أين كانت غائبة عن كتاب الله طوال حياتها؟ وهاهي الآن تحتضنه، وتنكب عليه تلاوة وحفظاً وفهما، تصل كلال ليلها بكلال نهارها، ولا يهنأ لها منام، من الساعة الثانية ليلاً، وأين كانت من ذي قبل في مثل هذه الساعة؟ إنها في السهر والمجون، أما الآن فهي تقف بين يدي ربها، والدموع تبلل خديها، ساجدة في محرابها، منكبة على كتاب ربها، وصدق من قال: إن جَنَّ ليلٌ صفف الأقداما ودمعه بخدمه إنسجاما ويقول الآخر : فقوم تولوا لدنياهمُ وقوم تخلوا لمولاهمُ فألزمهم باب مرضاته وعن سائر الناس أغناهمُ يصفون في الليل أقدامهم وعين المهيمن ترعاهمُ فطوبى لهم ثم طوبى لهم إذا بالتحية حياهمُ إنها عادت إلى كتاب الله الذي هجرته من قبل، عادت بعد شدة شوق، عادت لتحتضنه وتطهر به فؤادها، وتحيي به ضميرها، وترتوي من معينه، وتستضيء بنوره، أوليس الله يقول في وصف كتابه: ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )(1)، فقد جاءها النور والهداية، وانسكب في قلبها، فأشرقت نفسها، وتبددت تلك الظلمات التي كانت تحجبها عن نور الحق، فأين فتيات الإسلام اليوم من القرآن الكريم؟ عقبات في طريق التوبة ولكن لم تكن لتجري الأمور على حسب ما تحب، فبعد مرور شهرين علم أبوها بغيابها عن المنزل، رغم أنه جاء إلى البلاد أكثر من مرة، لكنه لا يعرف عن أبنائه شيئاً، ففي المرة الرابعة من مجيئه للبلاد، علم أنها في بيت عمها، فاشتعلت النار في قلبه، فطلب من جدها بأن ترجع إلى بيتها، ولكنها أصرت على مكثها في بيت عمها، وإخمادًا لنار الخصومة طلب منها جدها أن تذهب لتعيش معه . وهكذا لم تكن هذه الفتاة العائدة إلى الله، لتترك النور بعد أن اكتحلت به عيناها، ولم تكن لتتنكب طريق الهدى بعد أن هُديت إليه، ولم تكن لتتخلى عن الإيمان بعد أن ذاقت حلاوته، فكانت تعيش في بيت جدها، وتطلب من عمها أن يحضر هناك لتواصل مشوار حفظها لكتاب الله. الإيمان يفعل المعجزات كانت تريد أن تحفظ القرآن الكريم وتفسير آياته في أقرب وقت، لذلك كرَّست كل جهودها لتحقيق أمنيتها، لكأنما تخشى أن يتخطفها الموت بين حين وآخر،وهي لم تحقق أمنيتها الغالية . لذلك لم تُعرف هذه الفتاة إلا في محراب صلاتها، قائمة تصلي وتبكي، ترتل القرآن ترتيلا، لم تغادر دارها إلا قليلا، بينما كانت سابقاً لا تجلس في بيتها إلا قليلا، لقد انقلبت الموازين، فشتان لعمر الحق بين الهدى والضلال، وبين حياة الصلاح والاستقامة، وحياة الغواية والضلالة . وبالفعل استطاعت حفظ القرآن الكريم بعون الله وتأييده لها، وإمداده بلطفه ورعايته، بعد جهد جهيد، وتعبٍ مضنٍ، وسهر دائم، حفظت القرآن الكريم في مدة لم تتجاوز ثلاثة شهور، إذن لقد حققت أمنيتها الغالية، ونالت شرف حفظ كتاب الله، إنها الآن تحمل في صدرها النور والضياء، إنها تحمل الهداية والرشاد، لقد تشرب كل عضو من أعضائها بالقرآن الكريم، وسكنت آياته في الجنان، ما أسعدك أختاه عندما تحفظين كتاب الله . وفي أثناء إقامتها في بيت جدها، كانت تقوم بأعمال خيرية، فجمعت نساء المنطقة، وبدأت تعلمهن القرآن والسنة والفقه، كانت تتمنى أن تقوم الليل إلى طلوع الفجر،ثم تكمل حتى طلوع الشمس، وتصلي الشروق دون انقطاع . وذات يوم قالت لجدها، وهي في قمة السعادة: بأنها قد حققت مناها، وظلت مستيقظة حتى طلوع الشمس، ثم اتصلت بعمها، وطلبت منه أن يأتي مسرعاً، ويأتي معه بأهله جميعاً؛لأنها مشتاقة لرؤيتهم، وأوصتهم بأن لا يتأخروا . قد آن الأوان لأن يحتفي الجميع بها، وأن يحضروا لتكريمها، فقد تابت من قريب، ولكنها فعلت ما لم يفعله من تقدمها من الصالحات، وهكذا يفعل نور الإيمان عندما يتمكن من القلوب، يحولها إلى نفوس ملائكية، يشع النور منها،ويعلو محياها، هنيئاً لك أختاه على هذه المرتبة السامقة . عند بلوغ الغاية تكون النهاية لقد جاء العم ببناته ليحتفوا بفتاة عشقت كتاب الله، وحفظته وعملت به، يدخل العم وبناته الصالحات، إلى البيت الذي اعتاد فيه أن يلتقي بابنة أخيه . ولكن أين فتاتنا التائبة؟ أين الحورية الصالحة؟أين التقية الطاهرة؟ إنها في محراب الصلاة، لا تعرف إلا الصلاة وقراءة القرآن الكريم، ودموعها تنهمل من عينيها، على ما سلف من عمرها . وعند وصولهم إلى البيت هرعوا إليها ،فلما دخلوا عليها، ماذا كانت تفعل؟ وماذا كانت حالتها؟ إنه موقف رهيب –أخوات الإيمان– ماذا تتصورن حالتها؟ إنه موقف عظيم، تنهمل منه العين دماً بدل الدموع، إنه موقف ينخلع منه القلب، إنهم وجدوها في مصلى الصلاة، وقد فارقت الحياة، وهي محتضنة للمصحف بين جنبيها، وقد ضمته بقوة بكلتا يديها إلى صدرها . إذن، هل هذه هي نهاية الفتاة الطاهر، إنها نهاية شديدة تقطع الكبود، وتؤلم النفوس، أبعد بلوغ الغاية تكون النهاية، أبعد الهداية يكون الرحيل، أبعد حفظ كتاب الله، تنتقل إلى رحمة الله، أختاه هل من عودة؟ أختاه هل من رجعة؟ أختاه، طالما عقدت عليك الأماني لتنشري الفضيلة، وتصلحي مسار كثير من أخواتك اللاتي حدن عن طريق الله، أختاه هل من رجعى: أسفاه لا رجعى وقد جثمت عليكِ صفائح الأحجارِ إنه قضاء الله، ولا راد لقضاء الله، وكأن حالها يقول: لقد بلغت الغاية، وحققت أمنيتي، وتبت من ذنبي، فهداني ربي، ومنَّ علي بحفظ كتاب الله، فقد آن لي أن ألحق بالركب الميمون، آن لي أن ألحق بمحمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، آن لي أن أفارق هذه الدنيا الزائفة، التي حادت بي عن شاطئ السلامة، وكادت أن تهلكني، لولا أن تداركتني رحمة الله، آن لي أن أقول كما قال يوسف عليه السلام ( فاطرَ السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين )(1) . وعندما علم الجميع بوفاتها بكوا عليها بكاء شديداً حاراً، حتى ارتفع نشيجهم، واتصل العم بأبيها ليعجلوا دفنها، وعندما أتوا لكي ينزعوا المصحف من بين يديها، لم يستطيعوا ذلك إلا بعد جهد جهيد، لأنها عشقت القرآن، فضمته إلى صدرها ضم المحبوب إلى حبيبه . من علامات قبول التوبة ولما أخذوها للتغسيل، قامت زوج عمها وبناته بتغسيلها رغم عدم درايتهن وعلمهن بغسل الميت، وأحست ابنة عمها أن هناك الكثير من الأشخاص يساعدونهن . وكان الكفن جاهزاً معداً، لكنهم لم يجدوه عندما طلبوه، وإذا بكفن آخر موضوع في ركن المنزل، لا يعلمون مصدره، وبه رائحة عطرة. وبعد وضعها في الجنازة، جاء ستة نفر عليهم ثياب خضر، طوال القامة، تقدموا لأخذ الجنازة، ثم صلوا عليها، وكان في مقدمة الصف جدها وأعمامها وأبوها وإخوانها، وبقية الصف يصف به رجال آخرون، يلبسون ثياباً خضرأ . وبعدما فرغوا من الصلاة عليها، قام الأشخاص الستة بحمل الجنازة إلى المقبرة، ثم أنزلوها ولحدوها، ثم حثوا عليها التراب، ودعوا لها، وبعد ذلك لم يجدوا لهم أثراً، وفي حينها تذكروا أن الأشخاص كانوا غرباء، وأن القبر كان قد حفر سابقاً . فقد رحلت فتاتنا، وذهل الجميع من رحيلها ، فتاة لم تصل أعتاب العشرين من عمرها، يختطفها الموت بعد أن أبصرت نور الحق . وكأنها كانت تحس بقرب أجلها، لذلك كانت توصي جدها وجدتها بانتظار أبيها عند موتها، لأنه لم يرها في حياتها، فعلى الأقل يراها بعد موتها، وكانت توصي بعدم السماح لأمها بالدخول عليها إلا إذا أسلمت . كفى بالموت واعظاً لقد كان لموتها أثر بالغ هز كيان أسرتها، وجعل الجميع يستيقظ من رقدته، ويصحوا من غفلته، فقد عاد والد فتاتنا إلى رشده، وتاب إلى ربه، واستقال من عمله، وذهب ليعيش مع أبيه وإخوته، وأصبحوا شعلة تنير طريق الحق والرشاد، وأختها كذلك عادت من الغربة، وسلكت مسلك أختها، وكذلك فعل صديق فتاتنا، واهتدى إلى نور الحق . وبعد أيام من رحيلها تراها صديقتها الصالحة في المنام، فتخبرها بعظيم ما لقيت من نعيم مقيم، وتأمرها أن تخبر الناس بقصتها لعلها تكون لهم عبرة . ولكن لم تدرِ صديقتها كيف تبلغ الناس بقصتها، حتى إذا كان يوم، واجتمعت النساء في بيت من بيوت الله الطاهرة،قامت تلكم الفتاة الصالحة تحكي قصة الفتاة الطاهرة العائدة إلى الله، من أولها إلى آخرها . أخوات الإيمان، هذه هي قصة العائدة إلى الله، أفلا تكون لنا عظة وعبرة، بلى والله إنها لعبرة وأية عبرة ،وعظة ما أبلغها، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . هنيئاً لك أختاه، فقد عرفت طريق الله،هنيئاً لك أختاه،فقد ضربت أروع الأمثال لكل فتاة تائهة ضالة، وما توانيت بعد أن عرفت الطريق، أبشري أختاه فقد جعلك الله سبباً لهداية الكثيرين، أبشري أختاه بالمتاب، بإذن الغفورالوهاب، أبشري بخير الدارين. حقارة الدنيا أخوات الإيمان، ما أتعس الدنيا إذا كانت للشهوات، ما أحقرها إذا كانت للنزوات، ما أدناها إذا كانت للهوى والعصيان، واتباع الشيطان، والصد عن طريق الرحمن، أي سعادة لنا بلا دين ولا أخلاق، أي حياة لنا بلا عبادة ولا قراءة القرآن، أي عيش هو هذا الذي يبعدنا عن طريق الجنان . يا من اتبعت الهوى أفيقي من رقدتك، يا من انغمست في حمأة الرذيلة استيقضي من سكرتك، أألهتنا القصور والدور عن التفكر في المصير إلى القبور، أم ظننا أننا من الموت سالمون، كلا والله، تلك أماني المخدوعين، ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )(1) . لقد فارق الكثير منا الدين، وضعف في قلبه الإيمان واليقين، واتبع أكثرنا الشهوات، وأضعنا الصلوات، ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا )(2) . لقد عكفنا على الغناء والزمور، ومعاقرة شرب الخمور، فلا لناصح نسمع، ولا إلى حق نرجع، ظننا أننا في الدنيا مخلدون، فأصبح الموت لا يذكرنا، وفقد الأحبة لا يوقظنا من غفلتنا، فما أشدها من مأساة على أمة الإسلام، أمة القرآن، أمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم . فالله الله في نفسك أختاه، سارعي بالمتاب قبل الرحيل، واستعدي ليوم التحويل، فمولاك يناديك ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير)(1) ( قل يا عبادي الذينأسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )(2) . أخوات الإيمان، هذه هي قصة العائدة إلى الله، ليست نسجاً من الخيال، لقد رحلت عنا لتترك لنا عبرة للمعتبرين، فهلا اعتبرنا بقصتها، وسرنا على دربها . ،،،،،أنا سمعت القصة ع شريط وحبيت أنه تعرفوها والحمد لله حصلتها مكتووبة فنقلتها لكم.. بس بصراحة ماعرفت إسم الشيخ إلي يقولها فسامحوني.. |
#2
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
البيئة التي تتربى فيها البنت لها دور
في سقل الشخصية وتغيير الطباع وكذلك الاستقامة شكرا لك اختي ما اجمل العودة إلى الله عز وجل |
#3
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
جزاك الله خير
|
#4
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
|
#5
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
|
#6
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
سبحان الله قصة مؤثرة جداحسبنا الله ونعم الوكيل فى المفسدين الفاسقين
آخر تعديل بواسطة alanfal ، 26/11/2010 الساعة 08:04 PM |
#7
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
شكرا ع المرور الطيب ^^
|
#8
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
جزاكي الله خيرا
|
#9
|
||||
|
||||
: العائدة إلى الله،،،،
شكرررا ع المروووووووووووور ^^
|
مشاركة الموضوع: |
|
عناوين مشابهه | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | ردود | آخر مشاركة |
تفجير مرقد أحفاد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم | ام حسن | منبر السياسة | 9 | 22/03/2012 05:41 PM |
قصة الشاة المسمومه أهدتها اليهوديه لرسول الله صلى الله عليه وسلم | دموع التوبه | الحديث والسيرة النبوية | 0 | 14/06/2011 03:41 PM |
إساءة الروافض لعنهم الله وأخزاهم للنبي صلى الله عليه وسلم | ابو مارية | إسلاميات | 0 | 14/08/2010 08:00 AM |
[] ..أبو عبيدة ابن الجراح .. [] }{أمين هذه الأمة ..رضي الله عنه وأرضاه}{نجوم هدي الله.. | الفارس الاخير | إسلاميات | 19 | 29/09/2009 02:03 PM |
سبحان الله ارحم الراحمين (بسم الله الرحمن الرحيم) كم هي مفيدة !! | الإمبراطور | إسلاميات | 8 | 16/08/2006 03:22 PM |
|