عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > إيمانيات > رمضان وأيام الصيام
مواضيع اليوم
رمضان وأيام الصيام صيام شهر رمضان, صيام القضاء, صيام ستة من شوال, صيام يوم عرفه, صيام الأيام البيض, صيام الأثنين والخميس ...الخ

عمانيات   عمانيات
الرد على الموضوع
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 20/06/2015, 10:43 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
الله اكبر بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل
شهر الصيام والقران
..............................






معلومات متعددة تم جمعها في موضوع واحد للفائدة

فأسأل الله سبحانه أن يتقبل منا و منكم صالح العمل

اللهم آآمين




ملف كامل عن شهر رمضان

الفصل اللأول


وقفات
و فوائد و آداب




أولاً:
استقبال شهر رمضان:



كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان، كما في الحديث الذي
رواه سلمان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم خطب في آخر يوم من شعبان، فقال:
"قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضة، و قيام ليله تطوعاً،
شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة
فيما سواه، و من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، و هو شهر
الصبر، و الصبر ثوابه الجنة، و شهر المواساة، و شهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطّر
فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، و عتقاً لرقبته من النار، و كان له مثل أجره من غير
أن ينقص من أجر الصائم شيء" قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر
الصائم، قال: "يعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائماً على مذقة لبن، أو شربة
ماء، أو تمرة، و من أشبع فيه صائماً، أو من سقى فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة
لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما
ربكم، و خصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن
لا إله إلا الله، و الاستغفار، و أما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألونه
الجنة، و تستعيذون به من النار"(أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم 1887).


و
روي أيضاً أنه عليه الصلاة و السلام كان يفرح بقدوم رمضان، فكان إذا دخل رجب يقول:
"اللهم بارك لنا في رجب و شعبان، و بلَّغنا رمضان"


و
هكذا كان السلف -رحمهم الله- يفرحون به، و يدعون الله به، فكانوا يدعون الله ستة
أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، فتكون سنتهم كلها
اهتماماً برمضان.


و
في حديث مرفوع رواه ابن أبي الدنيا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لو
تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان".


و
نشاهد الناس عامة، مطيعهم و عاصيهم، أفرادهم و جماعاتهم، يفرحون بحلول الشهر
الكريم، و يظهرون جداً و نشاطاً عندما يأتي أول الشهر؛ فنجدهم يسارعون الخُطا إلى
المساجد، و يكثرون من القراءة و من الأذكار، و كذلك نجدهم يتعبدون بالكثير من
العبادات في أوقات متعددة، و لكن يظهر في كثير منهم السأم و التعب بعد مدة وجيزة!
فيقصِّرون، أو يخلّون في كثير من الأعمال! نسأل الله العافية.


ثانياً:
من فوائد الصيام:


إن
الله سبحانه و تعالى ما شرع هذا الصيام لأجل مس الجوع و الظمأ، و ما شرع هذا
الصيام لأجل أن نعذب أنفسنا، بل لابد من فوائد لهذا الصيام قد تظهر و قد تخفى على
الكثير، و من هذه الفوائد:


1- حصول التقوى:


فإن
الله لما أمر بالصيام قرنه بالتقوى، كما في قول الله تعالى: ((كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))(البقرة:183)، فجعل التقوى مترتبة على
الصيام.


و
لكن متى تحصل التقوى للصائم؟




التقوى
هي: توقِّي عذاب الله، و توقي سخطه، و أن يجعل العبد بينه و بين معصية الله
حاجزاً، و وقاية، و ستراً منيعاً.


و
لا شك أن الصيام من أسباب حصول التقوى، ذلك أن الإنسان ما دام ممسكاً في نهاره عن
هذه المفطرات -التي هي الطعام و الشراب و النساء- فإنه متى دعته نفسه في نهاره إلى
معصية من المعاصي رجع إلى نفسه فقال:


كيف
أفعل معصية و أنا متلبس بطاعة الله؟!


بل
كيف أترك المباحات و أفعل المحرمات؟!!


و
لهذا ذكر العلماء أنه لا يتم الصيام بترك المباحات إلا بعد أن يتقرب العبد بترك
المحرمات في كل زمان؛ و المحرمات مثل: المعاملات الربوية، و الغش، و الخداع، و كسب
المال الحرام، و أخذ المال بغير حق، و نحو ذلك كالسرقة، و النهب، و هذه محرمة في
كل وقت، و تزداد حرمتها مع أفضلية الزمان كشهر رمضان.


و
من المحرمات كذلك: محرمات اللسان؛ كالغيبة، و النميمة، و السباب، و الشتم، و
اللعن، و القذف، و ما إلى ذلك. فإن هذه كلها محرمات في كل حال، و لا يتم الصيام
حقيقة، و يثاب عليه إلا مع تركها.


روى
الإمام أحمد في مسنده(5/431) عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"أن امرأتين صامتا فكادتا أن تموتا من العطش، فذكرتا للنبي صلى الله عليه و
سلم، فأعرض عنهما، ثم ذكرتا له، فأعرض عنهما، ثم دعاهما فأمرهما أن يتقيئا فتقيئتا
ملء قدح قيحاً و دماً و صديداً و لحماً عبيطاً! فقال: "إن هاتين صامتا عما
أحل الله، و أفطرتا على ما حرم الله عز و جل عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى
فجعلتا يأكلان لحوم الناس".


و
لأجل ذلك ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه و سلم: "ليس الصيام
من الطعام و الشراب، إنما الصيام من اللغو و الرفث"(أخرجه البيهقي في السنن
الكبرى: 4/270). و قال صلى الله عليه و سلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع و
العطش، و رب قائم حظه من قيامه السهر".


و
يقول بعضهم شعراً:


إذا لم يكن في السمع مني تصــاون
و في بصري غض، و في منطـقي
صمت


فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ
و إن قلت: إني صمت يومي،
فما صمت!


فلا
بد أن يحفظ الصائم جوارحه.


روي
عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و لسانك عن الغيبة
و النميمة، و دع أذى الجار، و ليكن عليك سكينة و وقار،و لا تجعل يوم صومك و يوم
فطرك سواء"(ذكره ابن رجب في لطائف المعارف و غيره).


فالذي
يفعل الحرام و هو صائم لا شك أنه لم يتأثر بالصوم، فمن يصوم ثم يرتكب الآثام فليس
من أهل التقوى، فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه و سلم: "من لم يدع قول
الزور و العمل به و الجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه".


2- حفظ الجوارح عن المعاصي:


و
من حِكَمِ الصيام و فوائده أن الإنسان يحفظ وجدانه، و يحفظ جوارحه عن المعاصي، فلا
يقربها، حتى يتم بذلك صيامه، و حتى يتعود بعد ذلك على البعد عن هذه المحرمات
دائماً.


فالإنسان
إذا دعته نفسه إلى أن يتكلم بالزور، أو بالفجور، أو يعمل منكراً: من سب، أو شتم،
أو غير ذلك، تذكر أنه في عبادة، فقال: كيف أتقرب بهذه العبادة، و أضيف إليها
معصية؟!


ليس
من الإنصاف أن يكون في وقت واحد و في حالة واحدة جامعاً بين الأمرين: الطاعة و
المعصية! إن معصيته قد تفسد طاعته، و تمحو ثوابها. فالإنسان مأمور أن يكون محافظاً
على الطاعة في كل أوقاته، و لكن في وقت الصيام أشد.


و
كثير من الناس وقوا أنفسهم في شهر رمضان ثلاثين يوماً، أو تسعة عشرين يوماً عن
المحرمات، فوقاهم الله بقية أعمارهم منها.


و
كثير من الناس كانوا يشربون الخمر، أو الدخان، و ما أشبه ذلك، ثم قهروا أنفسهم في
هذا الشهر، و غلبوها، و فطموها عن شهواتها، و حمتهم معرفتهم لعظم هذه العبادة ألا
يجمعوا معها معصية، و استمروا على ذلك الحال، محافظين على أنفسهم، إلى أن انقضت
أيام الشهر و كان ذلك سبباً لتوبتهم و إقلاعهم و استمرارهم على ذلك الترك لهذه
المحرمات، فكان لهم في هذا الصيام فائدة عظيمة.


و
هكذا أيضاً إذا حافظ العبد على قيامه، و استمر عليه، حمله ذلك على الإكثار من تلك
العبادة فإذا تعبد الإنسان بترك المفطرات، و الصيام لله تعالى، دعاه إيمانه، و
دعاه يقينه، و قلبه السليم إلى أن يتقرب بغيرهما من العبادات.


فتجده
طوال نهاره يحاسب نفسه ماذا عملت؟ و ماذا تزودت؟


تجده
طوال يومه محافظاً على وقته لئلا يضيع بلا فائدة؛ فإذا كان جالساً وحده انشغل
بقراءة، أو بذكر، أو بدعاء، أو يتذكر آلاء الله و آياته.


و
إذا كان في وقت صلاة، صلى ما كتب له من ليل أو نهار، و إن دخلت الصلاة أقبل عليها
بقلبه و قالبه، و أخذ يتأمل و يتفكر ما يقول فيها؛ فيكون الصيام بذلك سبباً في
كثرة الأعمال و القربات كما يكون سبباً للمنع من المحرمات.







من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #2  
قديم 20/06/2015, 10:45 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل



3- حمية للبدن:


و من حكمة الله تعالى في هذا الصيام أيضاً
أن فيه حمية للبدن عن الفضلات.


و لا شك أن الحمية من أقوى أنواع الأدوية
والعلاجات، فالصيام يُكسب البدن المناعة و القوة، كما يكسبه أيضاً تدرُّباً على
الصبر و احتمال الجوع والعطش، حتى إذا ما تعرض له بعد ذلك فإذا هو قد اعتاد عليه،
فكان في ذلك منفعة عظيمة.


4- تذكر الفقراء و الذين يموتون
جوعاً:


و
من الحكم الجليلة التي شرع لها الصيام أن يشعر الإنسان بالجوع فترة الصيام
فيتذكَّر أهل الجوع دائماً من المساكين و الفقراء، ليرأف بهم، و يرحمهم، و يتصدق
عليهم.


فشُرع
الصيام لأجل أن يتضرع الإنسان -إذا ما أحسَّ بالجوع- فيدعو ربه، كما ورد في
الحديث: "إن النبي صلى الله عليه و سلم عرضت عليه جبال مكة ذهباً، فقال: لا
يا رب بل أرضى بأن أجوع يوماً، و أشبع يوماً، فإذا جُعْتُ تضرعتُ إليك و ذكرتك، و
إذا شبعت حمدتك و شكرتك"(أخرجه الترمذي برقم 2347 و قال حديث حسن). فذكر أن
الجوع سببٌ للتضرع و الذكر. فالإنسان إذا أحس بالجوع تضرع إلى الله.


و
من الحكم في الصيام أن الإنسان يقلل من الطعام حتى يحس بأثر الجوع، فيتضرع و يدعو
الله، و يتواضع له، و يكون ذاكراً له، مقبلاً إليه، متواضعاً بين يديه.


و
نلاحظ كثيراً من الناس أنهم لا يحسون بأثر هذا الجوع في هذه الأزمنة، و ذلك أنهم
عند الإفطار يجمعون من المأكولات و المشتهيات ما يملؤون به بطونهم، و يستمرون في


الأكل طوال ليلهم، متلذذين بأنواع المأكولات حتى إذا ما أتى النهار و قد مُلئت
بطونهم مكثوا طوال نهارهم في راحة، أو في نوم أو ما أشبه ذلك إلى أن يأتي الليل
فلا يحس أحدهم بأنه صائم، و لا يظهر عليه أثر الصوم.


و
من المعلوم أن هذا الحال لم يكن من الصحابة و السلف الأولين، فإنهم كانوا يقللون
من المأكل في إفطارهم و في سحورهم، و لا يأكلون إلا ما يقتاتون به و يقيم أصلابهم،
كما أنهم كانوا طوال نهارهم منشغلين في أعمالهم الدينية و الدنيوية، و لذلك لا بد
و أن يظهر عليهم أثر الجوع والتعب، و لكنهم يحتسبون ذلك عند الله. فينبغي للمسلم
ألا يكون همه المأكل، و أن يعمل حتى يكون للصوم آثاره و فوائده.


5- تخفيف حدة الشهوة:


و قد جعل النبي صلى الله عليه و سلم الصوم
للشباب وجَاءً أي: مخففاً من حدة الشهوة كما في قوله صلى الله عليه و سلم:
"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر و أحصن
للفرج، و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له و جاء". (متفق عليه). ذلك أن
الصوم يكسر حدة شهوة النكاح.


و كثير من الناس الآن يصومون، لكنهم لا
يجدون لهذا الصيام أثراً لتخفيف حدة الشهوة، و ذلك أنهم لم يذوقوا ألم الجوع و
العطش و التعب، بل ظلت نفوسهم متعبة بالشهوات، و أنّى لهم أن يتركوها و قد أضافوا
إلى صومهم كل ما تعف النفس عن رؤيته من أفلام خليعة و مسلسلات ماجنة.


ثالثاً:
خصوصية الصيام:


إن
الصيام عبادة بدنية قوامُها ترك المفطرات المعروفة، و لما كان ترك هذه المفطرات
سراً بين العبد و بين ربه، فإنه مما لا شك فيه أنه متى تم هذا العمل فيما بين
الإنسان و بين الله كان ذلك أعظم لأجره، و أجزل لثوابه. و قد ذكر ذلك كثير من
العلماء، فقالوا: إن الصيام سر بين العبد و بين الله. و قالوا: إن ملائكة الحفظة
لا تكتبه، لأن الإنسان إذا صام لا يطّلع عليه إلا الله.


فإذا
صمت فمن الذي يراك في كل حركاتك، و في كل أوقاتك؟!


إن
من يغفل عن مراقبة الله له يمكنه أن يفعل ما يريد فيتناول طعامه و شرابه دون ما
خوف من الله عز و جل. و لكن العبد المؤمن يعلم أن معه من يراقبه، و أن عليه رقيب
عتيد؛ يعلم أن ربه يراه قال تعالى: ((الذي يراك حين تقوم * و تقلبك في
الساجدين))(الشعراء:218-219).


فإذا
كان العبد يؤمن بأن الله تعالى هو المطّلع عليه وحده، كان ذلك مما يحمله على أن
يخلص في عمله، كما يحمله على الإخلاص في كل الحالات، و يبقى معه في كل شهور السنة.


فإذا
راقبت الله تعالى، و حفظت صيامك، في سرّك و جهرك، في الأسواق و في البيوت، و لم
تتناول ما يفسد صومك، و عرفت أن الله يراقبك فلماذا تعود إلى هذه المعاصي بعد
رمضان، و قد حرّمها الله عليك؟!


إذا
كان الله تعالى قد حرم علينا الكذب، و القذف، و سائر المحرمات من محرمات اللسان، و
محرمات الفرج، و محرمات اليد، و ما سواها. فلماذا نقدم عليها في غير رمضان؟!


أليس
الذي يراقبنا في رمضان هو الذي يراقبنا في سائر الأوقات؟


فيجب
على المسلم أن يستحضر ربه دائماً، فإنه عليه رقيب يعلم ما تكنه نفسه، يقول تعالى:
((و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه، و نحن أقرب إليه من حبل
الوريد))(ق:16).




من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #3  
قديم 20/06/2015, 10:47 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل



الفصل الثاني
.............




أحكام الصيام





إن أحكام الصيام بحمد الله واضحة جلية ذلك
لأن الصيام يتردد على المسلم كل عام و يصوم الاتقياء -إضافة إلى هذا- في أثناء
السنة تطوعاً طمعاً أن يثيبهم الله تعالى عليه، و لكن لا بد أن نذكر شيئاً يسيراً
من أحكام الصيام.





أولاً: الصيام الواجب و صيام التطوع:





إن الصيام الواجب الذي هو فرض من فرائض
الإسلام، و ركن من أركانه، هو شهر رمضان، و ما سواه فإنه تطوع: ((فمن تطوع خيراً
فهو خير له))(البقرة:184).


و الدليل على وجوبه و فرضه قوله تعالى: ((يا
أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون))(البقرة:183). أي: فرض عليكم. و قوله صلى الله عليه و سلم: "بني
الإسلام على خمس:… و ذكر منها: و صوم رمضان".


و الصيام فريضة كان أو نافلة: هو الإمساك عن
المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. و الذي يَلْزَمُهُ هذا الإمساك هو
المكلف، أما غير المكلف كالمجنون أو الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف فهذا لا صيام
عليه، و كذلك الكافر الذي طلب منه شرطه و هو الإسلام.


فالصيام إذاً يجب على المسلم المكلف، يعني
البالغ العاقل القادر؛ فالمسلم يخرج الكافر، و المكلف يخرج الصغير و المجنون، و
القادر يخرج المريض و نحوه من المعذورين، و إن كان يجب عليه القضاء أو الفدية.





ثانياً:
مفطرات الصيام:





(أ) المفطرات الحسية:


إن
المفطرات الحسية التي تنافي هذا الصيام معروفة و أهمها: الأكل، و الشرب، و النكاح،
و لكن يعفى في الأكل و الشرب عن الناسي، فإذا فعل شيئاً منها ناسياً عُفي عنه لقول
النبي صلى الله عليه و سلم كما في الصحيح: "إذا نسي فأكل و شرب فليتم صومه،
فإنما أطعمه الله و سقاه".


و
نأتي على شيء من التفصيل في هذه المفطرات:


1- الأكل و الشرب:


إذا
أفطر بهما فليس عليه إلا القضاء إذا أفطر لعذر، أما إذا أفطر لغير عذر فقد وقع في
ذنب كبير كما ورد عنه صلى الله عليه و سلم: "من أفطر يوماً في رمضان من غير
عذر لم يقضه عنه صيام الدهر، و إن صامه".


فالذي
يفطر في شهر رمضان متعمداً دون أن يكون له عذر من مرض أو سفر، أو نحو ذلك، يعتبر
قد تهاون بهذا الركن، و أقدم على ما يفسده فهو كمن يترك الصلاة عمداً.


و
يذهب بعض العلماء إلى كفر من أفطر من غير عذر، و لا حاجة به إلى الإفطار، و إنما
هو تهاون، و كذلك من ترك الصلاة بدون عذر فيذهب أيضاً بعض العلماء إلى أنه كافر
لكونه تهاون بما فرضه الله دون أن يكون له عذر، و لكن مع ذلك عليه التوبة، و عليه
الإنابة، و عدم العودة إلى هذا الفعل، و عليه إكمال شهره، و المحافظة عليه في بقية
عمره.


2- النكاح:


إذا جامع الرجل أهله في نهار رمضان فإن عليه
القضاء مع الكفارة التي هي كفارة الظهار، التي ذكرها الله تعالى في أول سورة
المجادلة فقال تعالى: ((و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به و الله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا
بالله و رسوله و تلك حدود الله و للكافرين عذاب أليم))(المجادلة:3-4). فكذلك كفارة
المُواقع أهله في نهار رمضان.


و يقع هذا من كثير من الشباب الذين ينامون
مع أزواجهم بعد صلاة الفجر فلا يملك أحدهم نفسه و خاصة إذا كان لا ينام مع أهله في
الليل، فإذا نام في النهار لم يأمن أن تثور منه الشهوة. فلذلك يرشد الشاب المسلم
أن ينام مع أهله في الليل، حتى يعطي نفسه شهوته المباحة، و يسلم من تناول هذه
الشهوة المحرمة في النهار، و التي توقعه في كفارة كبيرة.


و هناك مفطرات أخرى غير الأكل و الشرب و
الجماع، و من هذه المفطرات:


3- القيء:


ثبت أنه صلى الله عليه و سلم قال: "من
استقاء عمداً فعليه القضاء، و من ذرعه القيء فلا قضاء عليه".


فمن تعمد إخراج القيء فإن عليه القضاء لكونه
تعمد إخراج ما يفطر صومه، و من غلبه و خرج قهراً، فلا قضاء عليه، لكونه لم يتسبب
في ذلك.


4- خروج الدم من جرح أو رعاف:


إذا خرج الدم عن غلبة فإنه لا قضاء عليه، و
إذا تعمد إخراجه، فالقياس أنه يفطر كالقيء، و لكن إذا خرج بدون اختيار منه، أو كان
بحاجة إلى ذلك كخلع ضرس و نحوه، فله أن يتحّفظ عن دخوله مع ريقه، أو ابتلاع شيء،
فإن تحفظ فالصحيح أيضاً أنه لا يؤثر على صومه.


-
الحجامة:


ذهب
الإمام أحمد إلى أن الحجامة تفطر، و استدل بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم:
"أفطر الحاجم و المحجوم". و هو حديث متواتر، رواه عدد من الصحابة كما في
شرح الزركشي، و لو لم يكن منه شيء في الصحيحين، و لكن منه أحاديث ثابتة عن شداد و
ثوبان و غيرهما لا طعن فيها على الصحيح.


و
فطر الحاجم؛ في ذلك الوقت لأنه يمتص الدم و يكرر امتصاصه، فيختلط بريقه فلا يؤمن


أن يبتلع منه شيئاً، و لكن في هذه الأزمنة وجدت محاجم ليس فيها امتصاص، إنما هي
آلات يضغط عليها فتمسكه، و تمتص الدم، ففي هذه الحال قد يقال لا يفطر الحاجم إلا
أن يكون لتسببه في إفطار غيره.


و
أما المحجوم فإنه يفطر لخروج هذا الدم الكثير منه فيقاس على خروج دم الحائض.


6- نقل الدم بالإبرة:


لو أخذ الدم فيما يسمى بالتحليل، أو التبرع
لمنحه للمريض، فإذا كان هذا الدم كثيراً فإنه يلحق بالحجامة، و أما الدم القليل
بالإبرة، و ما يؤخذ للتحليل فالصحيح أنه لا يفطر لكونه ليس حجامة و لا يلحق بها.


7- الضرب بالإبرة:


و فيه تفصيل:


فإذا كانت الحقنة مغذية و مقوية فإنها تفطر،
و ذلك لقيامها مقام الطعام، و الشراب. فالمغذي هو الذي يدخل مع العروق و يقوم مقام
الطعام و الشراب، و على هذا فالإبر المغذية و المقوية التي تكسب البدن قوة تفطر؛
لأنها قامت مقام الأكل و نابت عنه.


أما الإبر الأخرى التي هي إبر يسيرة للتهدئة
أو لتصفية الجسم، أو ما أشبه ذلك، فالأولى و الصحيح أنها لا بأس بها للحاجة، و لا
تفطر الصائم.





(ب)
المفطرات المعنوية:





و
كما أن على الصائم أن يمسك عن المفطرات الحسية كالأكل و الشرب و غيره، فإن عليه
أيضاً أن يمسك عن المفطرات المعنوية التي تنقص الصيام، كما ورد في الحديث الشريف:
"ليس الصيام عن الطعام و الشراب إنما الصيام عن اللغو و الرفث"(سبق
تخريجه).


فعلى
الصائم أن يمسك عن الكلام السيئ الذي فيه مضرة على غيره و مشقة، حتى يحوز أجر
الصيام كما تقدم.





ثالثاً:
صيام أهل الأعذار:






إذا
احتاج المرء إلى الأكل أو الشرب لمرض أو لسفر أو نحو ذلك، فإنه معذور فيأكل بقدر
حاجته و يقضي كما أباح الله ذلك للمريض و للمسافر لقوله تعالى: ((فمن كان منكم
مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر))(البقرة:184). و لمزيد من الفائدة فإننا نذكر
بعض الأحكام الخاصة بصيام أهل الأعذار فمن ذلك:


1- صيام المسافر.


2- صيام المريض.


3-
صيام الكبير.


4-
صيام المرأة الحامل أو المرضع و الحائض و النفساء.




من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #4  
قديم 20/06/2015, 10:49 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل



الفصل الثالث
..................


قيام الليل





لا شك أن الصلاة من أفضل القربات، و أنها
عبادة دينية لا تصلح إلا لله تعالى، و اختصت بأعمال من القربات، مثل: الركوع و
السجود، و القيام و القعود، و الرفع و الخفض، و الدعاء و الابتهال، و الذكر لله، و
القراءة، و غير ذلك مما اختصت به فكانت أشرف العبادات البدنية.


و لما كانت الصلاة كذلك فقد فرضها الله
تعالى على عباده فريضة مستمرة طوال العام و العمر، و كررها في اليوم خمس مرات، لما
لها من أكبر الأثر في حياة المسلم.


و لما كانت من أهم الأعمال و القربات لله
تعالى، فقد شرع لعباده أيضاً أن يتقربوا بنوافلها. فمدح الذين يكثرون من الصلاة، و
خصوصاً في الليل، فأمر نبيه صلى الله عليه و سلم بقوله: ((يا أيها المزمل * قم
الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه و رتل القرآن
ترتيلاً))(المزمل:1-4). و قال تعالى: ((و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً
محموداً))(الإسراء:79).


فأمر نبيه أن يتهجد من الليل بهذا القرآن، و
الأمر له شريعة لأمته، فإن أمته تبع له، فهو أسوتهم و قدوتهم.





قيام
النبي صلى الله عليه و سلم:





لقد
امتثل النبي صلى الله عليه و سلم أمر الله تعالى: ((يا أيها المزمل * قم الليل إلا
قليلاً))(المزمل:1-2)، فكان يقوم نصف الليل، أو ثلثه، أو نحو ذلك طوال سنته، و كان
يصلي من الليل ما شاء، و يطيل في الصلاة.


و
قد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم كان يخص شهر رمضان بمزيد من الاهتمام، فقد قال صلى
الله عليه و سلم: "من قام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه". متفق عليه.


و
قيام رمضان هو قيامه بالتهجد، بالصلاة ذات الخشوع، و ذات الدعاء في هذه الليالي
الشريفة.


و
قد حث عليه السلام أمته على هذه الصلاة، فكانوا يتقربون بها، تارة يصلونها وحدهم،
و تارة يصلونها معه صلى الله عليه و سلم، فتوفي و هم يصلون أوزاعاً. يصلي في
المسجد جماعة، أو ثلاث جماعات، أو أربع، و قد صلّى بهم صلى الله عليه و سلم في
حياته ثلاث ليال متوالية جماعة، يصلي بهم نصف الليل أو ثلثه، أو نحو ذلك.


لكنه
و بعد أن رأى حرص الصحابة على قيام الليل معه و مداومتهم على ذلك و ازدحام المسجد
بهم خشي أن يُفرض عليهم ذلك القيام و الاجتماع، فيعجزون فلا يحافظون و يستمرون
عليه، فأمرهم أن يصلوا فرادى في أماكنهم.


ثم
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعهم على هذه الصلاة التي تسمى صلاة التراويح،
فجمعهم عليها لما أمن أنها لن تفرض عليهم؛ لأنه قد انقطع الوحي بوفاة النبي صلى
الله عليه و سلم .


فأجمع
المسلمون أهل السنة على هذا التهجد خلافاً للرافضة، و بقي كذلك إلى هذا الزمان
يصلون في مساجدهم جماعة عشرين ركعة، أو ثلاث عشرة، أو ستاً و ثلاثين، أو إحدى و
أربعين، على حسب اجتهادات العلماء.


فرأى
بعضهم أن يصلي إحدى و أربعين ركعة كما أثر ذلك عن مالك و غيره من الأئمة.


و
رأى آخرون أن يصلي سبعاً و ثلاثين في صلاة الوتر، أو تسعاً و ثلاثين، و قالوا: إن
هذا يخفف على الناس، و يكون فيه قطع لليالي في الصلاة.


و
رأى آخرون أن يصلي ثلاثاً و عشرين، و اختار ذلك أكثر العلماء كما حكاه الترمذي عن
أكثر الأئمة.


و
رأى آخرون أن يصلوا إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة.


و
الكل جائز، و لكن لابد أن تكون الصلاة باطمئنان و خشوع و خضوع و حضور قلب، حتى
تحصل الحكمة و الفائدة التي لأجلها شرعت الصلاة.


و
قد أجاز العلماء الزيادة على إحدى عشرة ركعة، و اعتبروا ذلك بالزمان،
فقالوا: إن من صلى تسعاً و ثلاثين ركعة في ساعتين كمن صلى إحدى عشرة في ساعتين،
فيكون الأجر على قدر الزمان، لا على قدر العدد، أو كثرة الركعات.





قيام السلف رضي الله عنهم:





كانت سُنة السلف رحمهم الله أنهم يصلون هذه
الصلاة في نصف الليل، أو في ثلثه؛ أي ثلاث ساعات، كلها في تهجد، فإذا كان الليل
طويلاً صلوا أربع ساعات أو أكثر، و إن كان قصيراً صلوا نحو ثلاث ساعات كلها في
التراويح. هكذا كانت صلاتهم، فإما أن يقللوا عدد الركعات و يطيلوا القيام و الركوع
و السجود، و إما أن يزيدوا في عدد الركعات و يخففوا الأركان، و يقللوا القراءة،
حتى تكون بمقدار هذه الساعات الثلاث أو الأربع أو نحوها. و قد روى مالك و غيره
أنهم أحياناً يحيون الليل فلا ينصرفون إلا قرب الفجر بحيث يستحثون الخدم بإحضار
السحور.


و لكن في هذه الأزمنة، نشاهد أن الناس قد
استولى عليهم الكسل و شغلتهم أمور دنياهم، فصاروا ينظرون لمن يصلي ربع هذه الصلاة
أو ثلثها، فيعدونه مكثراً، بل يعدون القراءة المتوسطة، طويلة! و إذا قرأ إمامهم
عليهم سورة فأطالها، يقول قائلهم: أطلتَ فخفِّف!!


و لا شك أن الذين يملُّون من هذه الصلاة هم
الكسالى الذين لا يرغبون في هذه العبادة، ذلك أن من فضل هذه الصلاة أن يجعلها
المؤمن سرور قلبه، و راحة بدنه، و ينبغي أن يجعلها المؤمن قرة عينه كما كانت قرة
عين النبي صلى الله عليه و سلم.، و ينبغي للمسلم أن يجعل جنس الصلاة راحة بدنه، و
شفاءه و دواءه، و أن يستعين بها على حاجاته، أليس الله تعالى يقول: ((و استعينوا
بالصبر و الصلاة))(البقرة:45)؟!


و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا
حزبه أمر فزع إلى الصلاة. فإذا دخل في الصلاة نسي همومه و غمومه، و خلي بربه، و
سُرّ قلبه بأنسه بالله تعالى.


فهذه هي الحكمة من إطالة الصلاة و من الركون
إليها. فالذين يستثقلون هذه الصلاة إذا صلى أحدهم في ساعة، أو نحوها أو أقل من ذلك
عَدُّوا ذلك إطالة و تنفيراً هم الكسالى مع أن هذا نقص للصلاة و عدم طمأنينة، و
إخراج لها عن ماهيتها؛ فإنا مأمورون في الصلاة أن نقرأ و نرتل، و مأمورون أن لا
ننقص في رمضان عن ختم القرآن مرة أو مرتين.


و لقد كان السلف رحمهم الله يقرؤون، و
يزيدون في القراءة؛ فكانوا يقرؤون سورة البقرة في ثماني ركعات -و هي جزآن و نصف
الجزء تقريباً- و نحن نرى أن بعض أهل زماننا يصلي سورة البقرة في ثمانين ركعة!!


فأين الفرق بين أولئك، و هؤلاء؟!!


و نرى آخرين يقتصرون على نصف القرآن أو
ثلثيه!! و لا شك أن هذا هو الكسل بعينه!


و نقول لمن يرغب أن يقتدي بنبيه صلى الله
عليه و سلم، و أن يكون حقاً من أتباعه، عليه أن يأتي بهذه الصلاة بطمأنينة -سواء
رغب المصلون أم لم يرغبوا- فيبين لهم أن هذه هي الصلاة التي تجزئ في القيام و هي
التي حث عليها الرسول صلى الله عليه و سلم أن تكون في خشوع و اطمئنان، و هي ما كان
عليه سلف هذه الأمة من الصحابة و تابعيهم رضي الله عنهم أجمعين.


فالقراءة المعتادة أن يختم القرآن في ليلة
سبع و عشرين، أو نحوها. و قد أدركت أئمة يختمون في رمضان ثلاث ختمات، حيث إنهم مع
أناس يحبون سماع القرآن، و يحبون الخشوع في الصلاة، و إطالتها بينما هناك أناس لا
يقرؤون إلا قدراً قليلاً من القرآن.


فإذا كنت إماماً لأناس فعليك أن تصلي بهم
الصلاة النبوية، التي تكون بها مدركاً للحكمة من هذه العبادة، محصلاً للثواب و
الأجر الذي أعده الله عز و جل لمن قام الليل و تهجد، و رتل القرآن ترتيلاً.


تنبيـــه:


و هنا أنبه على أمر مهم لمن كان من عادته
قيام الليل (أي التهجد) طوال السنة فإنه لا ينبغي له أن يقطع عادته السنوية لأن
الصلاة آخر الليل مشهودة، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه و سلم.


فإذا صليت أول الليل ما تيسر لك من هذه
التراويح فحافظ أيضاً على صلاة آخر الليل بما تستطيعه قلّ أو كثر، و بهذا تكون
محافظاً على العبادات.


و هكذا أيضاً تحافظ على السنن الرواتب -التي
قبل الصلاة و بعدها- فإذا طمعت في الزيادة في هذا الوقت فلا تدخر وسعاً.


روي عن بعض السلف: أن الأعمال تضاعف في شهر
رمضان، فركعة في رمضان تعدل ألف ركعة فيما سواه، و الحسنة فيه بألف حسنة فيما
سواه، و الفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه، و من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير
كان كمن أدى فريضة فيما سواه. كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله في وظائف رمضان.





الفصل الرابع


الاعتكــــاف





حقيقة الاعتكاف:


الأصل في الاعتكاف أنه الإقامة في المكان
طويلاً، و لزومه، و الاشتغال فيه، و كان المشركون يعكفون عند الأوثان كما في قوله
تعالى: ((فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم))(الأعراف:138). و قول إبراهيم عليه
السلام: ((ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون))(الأنبياء:52). و قولهم: ((نعبد
أصناماً فنظل لها عاكفين))(الشعراء:71).


و جعل الله عكوف المسلم و اعتكافه لزوم
المسجد، فقال تعالى: ((أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع
السجود))(البقرة:125). و قال تعالى: ((و لا تقربوهن و أنتم عاكفون في
المساجد))(البقرة:187). فجعل العكوف لزوم المساجد.


فالأصل أن المعتكف يفرّغ نفسه و ينفرد في
مكان و يشغل نفسه بالعبادة، و ينقطع عن الدنيا و ينقطع عن أهلها.


فالاعتكاف هو لزوم المسجد طاعة لله تعالى، و
القصد منه التفرغ للعبادة. و أن لا يخرج من المسجد إلا لضرورة ملحة لا يجد منها
بداً، كأن يحضر طعامه و شرابه إذا لم يجد من يحضره له، و كذلك الخروج للخلاء و
للوضوء و غير ذلك.


قال ابن رجب رحمه الله: معنى الاعتكاف و
حقيقته: "قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق".


الحكمة من الاعتكاف:


إن الحكمة من الاعتكاف الانقطاعُ عن الدنيا،
و عن الانشغال بها و بأهلها، و التفرغ للعبادة، و الاستكثار منها. و إنما كان
الاعتكاف في المساجد لأجل ألا يترك صلاة الجماعة مع المسلمين التي هي علامة و شعيرة
من شعائر الإسلام.


فضل الزمان و فضل المكان:


فإذا عزم المسلم على الاعتكاف فعليه أن
يختار المسجد الذي تصلى فيه الجمعة، حتى لا يخرج إلا عند انتهاء مدة الاعتكاف، و
الأفضل أن يكون في زمان فاضل تضاعف فيه العبادات حتى يجمع بين فضل الزمان و فضل
المكان.


فالاعتكاف مثلاً في المساجد الثلاثة: المسجد
الحرام، و المسجد النبوي، و المسجد الأقصى له ميزته، و ذلك لفضل العبادة بتلك
المساجد، و أما بقية مساجد الدنيا فإنها متساوية إلا أن المسجد الذي يكون قديماً
تكون العبادة فيه أفضل لقدم العبادة فيه فيختار المسجد الأقدم.


مدة
الاعتكاف:





إذا
أراد المسلم أن يعتكف؛ فأقل الاعتكاف يوم و ليلة، يعني أربعاً و عشرين ساعة حتى
يصدق عليه أنه معتكف، و ما عدا ذلك فيه خلاف؛ فبعضهم يرى أن من اعتكف يوماً أي من
طلوع الشمس إلى غروبها، أو ليلة من غروبها إلى طلوعها يكون اعتكافاً، و بعضهم يرى
أنه لابد من يوم و ليلة حتى يتحقق الحديث.





محظورات
الاعتكاف:


يشتغل
المعتكف بكل ما يقربه إلى الله عز و جل من صلاة و تلاوة للقرآن الكريم و مدارسته،
كما أنه ينقطع عن العلاقات الدنيوية فينقطع عن الزيارات، فلا يفتح باب الزيارة لمن
يزوره إلا قليلاً لحاجته. فقد ثبت أن بعض نساء النبي صلى الله عليه و سلم كنّ
يأتين إليه و هو معتكف و يتحدثن معه قليلاً.


أما
فتح باب الزيارة للأهل و الأولاد و الأصدقاء فإنه يجعل المسجد كالبيت، لا فرق
بينهما، كما أنه يفتح الباب أمام الكلام الذي لا فائدة منه.


و
كذلك على المعتكف ألا ينشغل بالدنيا و بأهلها، فلا يسال من رأى، و لا من سمع عن
أمر من أمور الدنيا، و لا عن خبر من أخبارها، و لا يهتم بأمر من أمورها. و بعد ذلك
يعكف على العبادة؛ فينتقل من جنس الصلاة سواء التراويح أو غيرها، أو التقرب
بالرواتب و نحوها، ينتقل إلى القراءة و الذكر، و الدعاء و الابتهال إلى الله، و ما
أشبه ذلك مع حضور القلب حتى يجمع بين خشوع القلب و حضوره، و بين التكلم باللسان مع
اتصافه أيضاً بالخشوع و الخضوع.


و
لأجل ذلك ذكر ابن رجب أن بعضهم يقول في تعريف الاعتكاف: (أنه قطع العلائق عن
الخلائق للاتصال بخدمة الخالق). و العلائق بمعنى العلاقات فتقطع علاقتك بفلان و
فلان، و تنقطع منها عن جميع الخلائق، و يتصل قلبك بربك بحيث يكون ذكر الله على
قلبك دائماً، نائماً و يقظان، قائماً و قاعداً و مضطجعاً.


تذكر
الله في كل حالاتك، و تتأمل، و تعقل ما تقول إذا كنت مشتغلاً بذلك. و إن قرأت
القرآن قرأته بتدبر.





و
قد أدركنا قبل أربعين سنة، أو خمسين سنة آباءنا و مشايخنا كانوا يعتكفون، و لا
يُخلُّونَ بالاعتكاف، و كانوا يعكفون على القرآن، حيث رزقهم الله حفظ القرآن و
سهولته، فكانوا يختمونه كل يوم غالباً، أو كل يومين مع التدبر!! ذلك لأنه شغلهم
الشاغل في ليلهم و نهارهم، إلا أنه فقط يؤتى بأكله، بفطوره و سحوره، و أحياناً
يقتصر على السحور. فيتناول في الإفطار تمرات قليلة،و لا يتناول عشاءً، و يجعل
عشاءه سحوراً.


هكذا
أدركنا مشايخنا؛ يخرج الواحد منهم لقضاء الحاجة فقط، و للوضوء، لا يعود مريضاً، و
لا يشهد جنازة، و لا يعود أهله، و لا يفتح باب زيارة و لا غير ذلك.


هكذا
المعتكف الذي يريد أن يكتب له أجر هذا الاعتكاف، و يقتدي في ذلك بسنة نبيه صلى
الله عليه و سلم، فإنه صلى الله عليه و سلم ما ترك الاعتكاف في سنة من السنوات إلا
سنة واحدة في رمضان لما دخل معتكفه اعتكف معه بعض نسائه، و ضربت كل واحدة منهن
قبة، فلما رأى الأقبية في المسجد أنكر ذلك، و عرف أن هذا منافسة. فعند ذلك ترك
الاعتكاف تلك السنة و اعتكف في شوال، و كان في الغالب يعتكف في العشر الأواخر من
رمضان. و اعتكف مرة أو مرتين في العشر الأوسط.


و
الاعتكاف -كما سبق- كان للاستكثار من الطاعة، و لطلب أن يحظى العبد بالمغفرة، و
المغفرة لها أسباب، و من أسبابها في رمضان: الصيام إيماناً و احتساباً. و قيام
رمضان إيماناً و احتساباً. و كذلك قيام ليلة القدر إيماناً و احتساباً. فيحرص
العبد على أن يحظى بسبب من أسباب مغفرة الذنوب التي اقترفها فيما مضى من عمره.





من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #5  
قديم 20/06/2015, 10:52 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


الفصل
الخامس


إحياء
العشر الأواخر من رمضان





إذا
علمنا أن شهر رمضان هو أفضل الشهور، كانت نتيجة ذلك أن نجتهد فيه اغتناماً لفضله،
و إذا علمنا أن العشر الأواخر هي أفضل أيامه، و أفضل لياليه، كانت نتيجة ذلك أن
نكثر الاجتهاد فيها، و ألا نضيع منها وقتاً في غير منفعة.


و
هذه الأيام العشر يستحب فيها أربعة أشياء:


1-
إحياؤها كلها.


2-
زيادة الاجتهاد فيها بالأعمال الأخرى.


3-
إظهار النشاط فيها و القوة.


4-
الاعتكاف و اعتزال الشهوات و الملذات.





إحياء
الرسول صلى الله عليه و سلم العشر الأواخر:





ثبت
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه و
سلم إذا دخل العشر أحيا ليله، و أيقظ أهله، و جدّ، و شدّ المئزر". و كذلك روي
عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخلط العشرين من رمضان
بصلاة و نوم، فإذا كان في العشر لم يذق غمضاً". أي: في الليالي العشر لا يذوق
غمضاً، بل يقوم ليله كله دون نوم.


و
في حديث آخر: "إذا دخل العشر طوى فراشه". يعني: فراش النوم ليلاً في آخر
ليالي الشهر. و في حديث آخر تأكيد الإحياء بقولها: "و أحيا ليله كله".





أقسام
الناس في إحياء العشر الأواخر:


ينقسم
الناس في إحياء هذه الليالي إلى أربعة أقسام:


القسم
الأول: يحيونها بالعبادات:


هناك
من يحيون العشر الأواخر من رمضان بالعبادات، فيحيونها بالصلاة، و طول القيام و
الركوع و السجود، اقتداءً بفعل نبيهم صلى الله عليه و سلم فقد كان يديم الصلاة في
هذه الليالي؛ فإنه صلى ليلة ببعض صحابته حتى خشوا أن يفوتهم السحور، و كذلك صلى
مرة و معه رجل من أصحابه -و هو حذيفة- فقرأ في ركعة واحدة ثلاث سور: سورة البقرة و
سورة آل عمران، و سورة النساء، يقرأ بتدبر، و يقف عند آية الرحمة فيسأل، و عند آية
العذاب فيتعوذ، يقول: فما صلى ركعتين، أو أربع ركعات حتى جاءه المؤذن للصلاة.


و
هذا هو الأصل في إحياء هذه الليالي، فتجد المجتهدين قبل سنوات يهتمون بهذه
الليالي، و يولونها زيادة نشاط و عبادة، اقتداءً بفعل نبيهم صلى الله عليه و سلم
بحيث إنهم يزيدون في قيام هذه الليالي، و يقطعون الليل كله في الصلاة، فيصلون عشر
ركعات، و يقرؤون فيها نحو جزء و نصف، ثم يستريحون نحو نصف ساعة ثم يصلون أربع
ركعات بسلامين في ساعتين، أو ساعة و نصف على الأقل يقرؤون فيها ثلاثة أجزاء،
أو جزئين و نصفاً، ثم يستريحون نحو ساعة أو أقل، ثم يصلون ست ركعات تستغرق
ساعتين و نصفاً، أو ثلاث ساعات، يقرؤون فيها أيضاً ثلاثة أجزاء أو ثلاثة و نصفاً،
ثم يستريحون قليلاً، ثم يصلون الوتر، فيكون ليلهم كله عامراً بالصلاة، و إنما
يتخللها فترات راحة، و ذلك اقتداء بما كان عليه السلف و الصحابة و من بعدهم.





و
كان الصحابة يصلون في ليالي رمضان ثلاثاً و عشرين ركعة، و ربما صلى بعضهم، أو بعض
التابعين كما عند الإمام مالك في رواية ستاً و ثلاثين، و عند الإمام الشافعي يصلي
في ليالي رمضان إحدى و أربعين ركعة في رواية عنه فيصلون أربع ركعات، و تستغرق نصف
ساعة، يستريحون بعدها نحو خمس أو عشر دقائق، ثم يصلون أربعاً و هكذا، و لذلك سموا
هذا القيام بالتراويح حيث إنهم يرتاحون بعد كل أربع ركعات. فهذه الأفعال هي حقاً
إحياء لهذه الليالي في العبادة.





و
يدخل في إحياء تلك الليالي أيضاً إحياؤها بالقراءة؛ فإن هناك من يسهر ليالي العشر
يصلون ما قدر لهم، ثم يجتمعون حلقات، و يقرؤون ما تيسر من القرآن في بيت من بيوت
الله في المساجد، أو في بيت أحدهم رجاء أن تُحقَّق الفضائل التي رتبت على ذلك، و
قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله
يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، و غشيتهم الرحمة، و
حفتهم الملائكة، و ذكرهم الله فيمن عنده".





فإذا
اجتمع جماعة، عشرة أو عشرون، أو نحو ذلك يقرؤون القرآن؛ يقرأ أحدهم، و بقيتهم
يستمعون له، ناظرين في مصاحفهم، ثم يقرأ الثاني، حزباً أو نصف حزب، أو ربعه، ثم
يقرأ الثالث.. و هكذا، فيصدق عليهم أنهم يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم،
فيُحيون ليلهم بالطاعات و القربات.





كذلك
إذا أحيوا الليل بتعلم أو تعليم كان ذلك أيضاً أحياءً لهذه الليالي بطاعة. فإذا
أحيينا ليلنا أو جزءاً من ليلنا في تعلُّم علوم دينية، كان ذلك إحياء لهذه الليالي


بطاعة تنفعنا إن شاء الله.





فهؤلاء
هم الذين ربحوا ليلهم، و استفادوا من وقتهم.





القسم الثاني: يحيونها في التكسب و في
التجارات:


و يندرج في هذا القسم أولئك الذين يحيون
ليلهم في التكسب، في تجاراتهم، و في صناعاتهم و في دكاكينهم؛ و هؤلاء قد ربحوا
نوعاً من الربح، و هو ربح عابر؛ ربح دنيوي، لكنه قد يكون عند بعضهم أنفس و أغلى
ثمناً مما حصل عليه أهل المساجد، و أهل القراءات، و أهل العلم! و لكنهم في الحقيقة
قد خسروا أكثر مما ربحوا، فترى أحدهم يبيت ليله كله في مصنعه، أو في متجره أو
حرفته، أو نحو ذلك. فهذا قد أسهر نفسه، و أحيى ليله، و لكن في طلب الدنيا الدنيئة!





فإذا كان ممن رغب عن الأعمال الأخروية، و
زهد فيها، و أقبل على الدنيا بكليته، و انصرف إليها و لم يعمل لآخرته، خيف عليه أن
يكون ممن قال الله تعالى في حقهم: ((من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفِّ
إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا
النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون))(سورة هود:15-16).





و هذه الآية فيمن جعل دنياه أكبر همه، و نسي
أو تناسى الآخرة، و لم يعمل لها، و كان مقصده و ديدنه السعي وراء هذا الحطام؛ بل
جعلها هي مقصده، لا يعمل و لا يسعى و لا يكدح إلا لها، حتى كأنها معبوده، فيصدق
عليه أنه عابد لدنياه، و أنه عابد لدرهمه و ديناره، و يتحقق عليه التعس، و يدعى
عليه بقول النبي صلى الله عليه و سلم: "تعس عبدالدينار و الدرهم
والقطيفة".





و لكن بعضهم قد يحصل على جزء من الصلاة و
القراءة و لا يكون غافلاً عن ربه و لا متغافلاً عن الذكر، و لا منشغلاً عن
القراءة، فيستصحب معه -مثلاً- كتاب الله يقرأ فيه في أوقات فراغه، و يذكر ربه في
أوقات فراغه، و يصلي ما قدر له، و يأتي بورد صغير معه. و هذا قد ربح نوعاً من
الربح، و إن لم يكن الربح الأكمل، فهذا على طرف، لكن فاته الخير الكثير.





القسم الثالث: يحيونها في اللهو و اللغو:


و
يشمل أغلبية الناس؛ فإننا نراهم يحيون ليلهم، و لكن في لهو، و سهو!! فتراهم
يجتمعون في بيوتهم و مجالسهم يتبادلون الفكاهات و الضحك، و القيل و القال، و ربما
تجاوز الأمر بهم إلى الغيبة، و إلى النميمة، و إلى الكلام في أعراض الناس، و ما
أشبه ذلك، و لا يذكرون الله في مجالسهم إلا قليلاً، و لا يستصحبون شيئاً من
القرآن، و لا من كتب الدين و العلم!





و
ينقطع ليل أحدهم، أو ليل جماعتهم ليس لهدف سوى نوم النهار، هكذا قصدوا! فيفوت
عليهم الأمران:


الأول:
أنهم لا يشاركون المصلين في الصلوات، و لا يشاركون القراء في قراءتهم.





و
الثاني: أنهم لا يشاركون أهل الأرباح الدنيوية في أرباحهم، فيفوت عليهم هذا
و هذا!


و
لا يحزنون على خسارتهم، و أي خسارة تلك التي لا يشعرون بها؟! ألا و هي مضي هذه
الأيام و الليالي الشريفة دون أن يستغلوها، و دون أن يستفيدوا منها.


فما
أعظم خسارتهم! و ما أعظم حسرتهم حينما يرون أهل الأرباح قد تقاسموا الأرباح! و
حينما يرون أهل الحسنات قد ضوعفت لهم حسناتهم. فهؤلاء لا خير دين، و لا خير دنيا،
بل ربما يكتسبون مآثم بكلام لا فائدة فيه؛ فإن كلام ابن آدم مكتوب عليه، يقول الله
تعالى: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))(ق:18).





و
يقول النبي صلى الله عليه و سلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ذكر الله
و من والاه، و أمر بمعروف، و نهي عن منكر".


و
يصدق على ذلك قول الله تعالى: ((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو
معروف أو إصلاح بين الناس))(النساء:114).





و
هؤلاء قد يكتب عليهم ما يُسألون عنه، و يحاسبون عليه: لماذا قلتم كذا؟ و لماذا
تكلمتم بكذا؟ و لماذا لم تستخدموا ألسنتكم التي سخرها الله لكم في ذكر الله؟ و
لماذا أبعدتم آذانكم عن استماع ما فيه طاعة الله تعالى، و فيما يرضيه؟ فلا يجدون
لهذا السؤال جواباً!






القسم
الرابع: يحيونها في المعاصي كبيرها و صغيرها:


و
هؤلاء كثير أيضاً -و العياذ بالله- و هم الذين يحيون هذه الليالي الشريفة في ضد
الطاعة! فتراهم يسهرون على آلات اللهو، و المجون: ينصتون إلى الأغاني الفاتنة، و
إلى الأشرطة الماجنة، و إلى رؤية الصور و الأفلام الخليعة!





و
ربما زادوا على ذلك هذه النظرات التي ينظرونها إلى ما يثير الشهوات المحرمة؛ فإن
سماع هذه الأغاني الفاتنة يزرع في القلوب محبة الزنا و الفساد؛ فيدفعهم ذلك إلى
طلب المحرمات. و كذلك فإن مشاهدتهم لتلك الصور الخليعة تزرع في قلوبهم محبة الشرور
فتدفعهم اندفاعاً كلياً إلى أن يأتوا ما لا يحل لهم من زنا، أو شرب خمر، أو ما
أشبه ذلك. و كثير منهم لا تحلو مجالسهم و لا تلذّ إلا إذا شنَّفوا أسماعهم
بالأغاني الخليعة! و متّعوا أعينهم بالصور الهابطة! و عطَّروا أفواههم بالكلام
القبيح! و ملأوا شهواتهم و بطونهم بالأشربة المحرمة من خمر و نحوها! فيجمعون بذلك
بين ترك الطاعة، و ارتكاب المعصية، أو ما يسبب محبة المعصية.





فمثل
هؤلاء مع كونهم محرومين، فإنهم آثمون إثماً كبيراً، و هؤلاء موجودون بكثرة، و يشكو
منهم كثير من الهيئات ممن يأمرون بالمعروف، أو ينهون عن منكر بكثرة، و غالباً ما
يعثرون عليهم حتى في نهار رمضان و يقبض عليهم و هم في سكر!! فلا صيام، و لا ابتعاد
عن المحرمات! و سبب ذلك أنهم طوال ليلهم و هم يتفكرون بهذه المحرمات كما زعموا!
فيتمادى بهم ذلك إلى محبة هذه المعاصي، و التلذذ بها، فيستعملونها في النهار و
يتركون الصيام، الذي هو ركن من أركان الإسلام، و يجمعون بين المعصية و ترك الطاعة
-و العياذ بالله-.





و
كثيراً ما يختطفون النساء في الأسواق! و يتابعونهن، و يلمزونهن! و ذلك كله من
أسباب ضعف الإيمان و قلته في القلوب، و حلول المعاصي و مقدمات الكفر بدلاً منه.





فهذه
أقسام الذين يحيون هذه الليالي، فليختر المسلم لنفسه ما يناسبه من هذه الأقسام





من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #6  
قديم 20/06/2015, 10:55 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


استحباب
زيادة الاجتهاد في العشر الأواخر:


ورد
في حديث عائشة: "أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل العشر، أحيا ليله، و
أيقظ أهله، و جَدَّ". و الجدّ هو: بذل الجهد في طلب الطاعات، أو في فعلها،
أي: بذل ما يمكنه من الوسع.


و
ذلك يستدعي أن يأتي الطاعة بنشاط، و رغبة، و صدق و محبة. و يستدعي أن يبعد عن نفسه
الكسل، و الخمول، و التثاقل، و أسباب ذلك، ففي أي شيء يكون هذا الجدّ؟


*
الجد في الصلاة؛ فيصلي في الليل و النهار ما استطاع.


*
و الجد في القراءة؛ أن يقرأ ما تيسر من القرآن بتدبر و خشوع و قلب حاضر.


*
و الجد في الذكر؛ أن يذكر الله و لا ينساه، و لا زال لسانه رطباً بذكر الله.


*
و الجد في الدعاء؛ أن يدعو ربه تضرعاً و خفية و أن يكثر من الدعاء.


*
و الجد في الأعمال الخيرية المتعددة من النصائح والعبادات، و ما أشبه ذلك.


*
و الجد في العلم و التعلم و ما يتصل بذلك، أي الاجتهاد في الأعمال كلها.





إيقاظ
الأهل في العشر الأواخر:


و
يدخل في ذلك أمر الأهل -و هم الأولاد و النساء- بالصلاة، فيستحب للمسلم أن يوقظ
أهله بهدف الصلاة، و أن يذكرهم بفضلها.


و
كان السلف رحمهم الله يوقظون أهليهم حتى في غير رمضان. و كان عمر رضي الله عنه إذا
كان آخر الليل أيقظ أهله كلهم، و أيقظ كل صغير و كبير يطيق الصلاة، و كان يقرأ قول
الله تعالى: ((و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها))(طه:132).


يستشهد
بهذه الآية على الحرص على صلاة النافلة، و ذلك دليل على محبة الصحابة و السلف رضي
الله عنهم للإكثار من أعمال الخير في الليل و النهار.





لذلك
يتأكد على المسلم أن يوقظ أهله و إخوته، و أولاده و نساءه، و من يتصل به، و من له
ولاية عليه، يوقظهم لأجل أن يقوموا في هذه الليالي الشريفة. فهي ليال محصورة، إنما
هي عشر ليال، أو تسع ليال إذا لم تكتمل ليالي الشهر إلى ثلاثين ليلة بأن كان الشهر
ناقصاً يوماً، فلا تفوت على الإنسان الباحث عن الخير أن يغتنمها، و يستغل أوقاتها.





و
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: "إذا قام الرجل للصلاة و أيقظ أهله
فصليا كُتبا من الذاكرين الله كثيراً و الذاكرات".


و
قد وردت أحاديث بفضائل كثيرة في إيقاظ الأهل في مثل هذه الليالي و غيرها.







إظهار
النشاط و القوة في العشر الأواخر:





ثبت
عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان في ليالي العشر يغتسل كل ليلة بين العشائين أو
بعد العشاء، و القصد من هذا الاغتسال أن يأتي الصلاة بنشاط بدن، و من نشاط البدن
يأتي نشاط القلب.





و
من احترام هذه الليالي و تعظيمها أن النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته كانوا
يتجملون لهذه الليالي فيلبس أحدهم أحسن ثيابه، ليكون ذلك أيضاً أنشط لبدنه، و أنشط
لقلبه، حتى إن كثيراً منهم يتجملون في هذه الليالي بثياب لا يلبسونها لغيرها.





و
مما يفعلونه للنشاط و القوة استعمالهم للطيب في البدن، و في الثوب، و في المساجد،
فكانوا يستعملون النضوح، و النضوح هي: الأطياب السائلة حتى يكون الإنسان طيب
الريح، و يكون بعيداً عن الروائح الكريهة لأن الملائكة تحب الريح الطيب، و تتأذى
مما يتأذى منه ابن آدم، و كذلك يطيبون مساجدهم بالنضوح، و بالدخنة التي هي
المجامر.





فمثل
هذه مما تكسب النشاط في البدن، و النشاط في القلب، و متى كان القلب و البدن نشيطين
لم يملّ الإنسان و لم يكل، و متى كان البدن كسولاً ضعف قلبه، و ملّ من العبادة، و
كسل عنها.


و
كثيراً ما يذم الله تعالى أهل الكسل، كما ذكر الله تعالى ذلك في وصفه المنافقين
بقوله تعالى: ((و إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى))(النساء:142).


فالمسلم
يأتي بالأعمال التي تحبب إليه العبادة و تجعله منشرح القلب، مقبلاً عليها بكليته،
غير غافل و لا ساه، بعيداً عن كل ما يلهي القلب و يشغله عن طاعة مولاه عز و جل.





تحري
ليلة القدر في العشر الأواخر:





يرجع
سبب فضل ليالي العشر إلى أن فيها ليلة القدر؛ يقول النبي صلى الله عليه و سلم في
حديث سلمان الطويل في فضل شهر رمضان: "شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم
خيرها فقد حرم".



و
هذه الليلة قد أخفي العلم بعينها، فلم يطلع الله عليها أحداً من خلقه، و السبب في
ذلك طلب الاجتهاد في بقية الليالي، فإنهم لو علموا عينها لناموا في بقية الليالي،
و قاموا هذه الليلة وحدها، ولم يحصل لهم زيادة الأعمال، فإذا أبهمت في هذه الليالي
فإنهم يجتهدون، فيقومون في كل ليلة جزءاً رجاء أن يوافقوها، فكلما جاءت ليلة قال
أحدهم: أرجو أن تكون هذه هي الليلة التي هي خير من ألف شهر، فيقومها. فإذا جاءت
الليلة التي بعدها قال: قد تكون هذه، إلى أن تنتهي أيام العشر، فيحصل على أجر
كثير، و تتضاعف له الحسنات، و يكون ممن عبد ربه عبادة متتابعة، لا عبادة منقطعة
قليلة.





أما
تعيين تلك الليلة فقد اختلف فيها اختلافاً كثيراً، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر
من أربعين قولاً كما في فتح الباري. و كلها ليست بيقين.


فمنهم
من قال: إنها ليلة إحدى و عشرين، و استدل بأن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
"إني رأيت في صبيحتها أني أسجد في ماء و طين". قال أبو سعيد راوي
الحديث: فأمطرت السماء فوكف سقف المسجد، فانصرف النبي صلى الله عليه و سلم و على
جبهته أثر الماء و الطين.





و
رجّح الإمام الشافعي ليلة إحدى و عشرين لهذا الحديث.


و
منهم من قال: هي ليلة ثلاث و عشرين، و استدل بأنه صلى الله عليه و سلم حث على قيام
السبع الأواخر مرة، ثم قال: كم مضى من الشهر؟ قالوا: مضى ثنتان و عشرون، و بقي
ثمان، قال: بل مضى ثنتان و عشرون وبقي سبع، فإن الشهر لا يتم، اطلبوها الليلة.
(يعني ليلة ثلاث و عشرين) ذكره ابن رجب في الوظائف.





و
منهم: من رجح ليلة أربع و عشرين، و ذلك لأنها أولى السبع الأواخر، و استدل بأنه
صلى الله عليه و سلم لما رأى كثير من أصحابه ليلة القدر في السبع الأواخر قال:
"أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فتحروها أو قال: فمن كان متحريها
فليتحرَّها في السبع الأواخر". و السبع الأواخر أولها ليلة أربع و عشرين إذا
كان الشهر تاماً.





و
منهم من قال: إنها تطلب في ليالي الوتر من العشر كلها؛ و ذلك لأنه صلى الله عليه و
سلم قال: "التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان". و الوتر هي
الليالي الفردية.


و
بالرجوع إلى ما مضى فليالي الوتر هي ليلة إحدة و عشرين، و ثلاث و عشرين، و خمس و
عشرين، و سبع و عشرين، و تسع و عشرين. فهذه أوتارها بالنسبة إلى ما مضى.


و
إذا قلنا: إنها بالنسبة إلى ما بقي فهي الليلة الأخيرة التي ما بعدها إلا ليلة
واحدة. و ليلة ثمان و عشرين، و ليلة ست و عشرين، و ليلة أربع و عشرين، و ليلة
اثنتين و عشرين.


و
على هذا تكون ليالي العشر كلها محلاً للطلب و الالتماس.





فضل
ليلة القدر:





ذكر
الله سبحانه و تعالى أن ليلة القدر خير من ألف شهر، و معنى ذلك أن الصلاة فيها أفضل
من الصلاة في ألف شهر، و العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر.


روي
أنه صلى الله عليه و سلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل حمل السلاح ألف شهر، فتعجب من
ذلك الصحابة رضي الله عنهم و قالوا: كيف تبلغ أعمارهم إلى ذلك؟ فأنزل الله
هذه الليلة -أي ليلة القدر- حيث العبادة فيها خير من الألف شهر التي حمل فيها ذلك
الإسرائيلي السلاح في سبيل الله. ذكره ابن رجب و غيره.


و
على كل حال فإن هذا فضل عظيم. و من فضل ليلة القدر أيضاً أنها سبب لغفران الذنوب،
و أن من حُرم خيرها فقد حرم.





قيام
ليلة القدر:


قيام
ليلة القدر يحصل بصلاة ما تيسر منها، فإن من قام مع الإمام أول الليل أو آخره حتى
ينصرف كتب من القائمين. و قد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم صلى ليلة مع أصحابه أو
بأصحابه، فلما انصرفوا نصف الليل قالوا: لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال: "إن
الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". رواه أحمد و غيره، و
كان أحمد يعمل به.





و
قولهم: (لو نفلتنا ليلتنا): يعني لو أكملت لنا قيام ليلتنا و زدنا في الصلاة حتى
نصليها كاملة، و لكنه صلى الله عليه و سلم بشرهم بهذه البشارة، و هي أنه من قام و
صلى مع الإمام حتى يكمل الإمام صلاته، كتب له قيام ليلة. فإذا صلَّى المرء مع
الإمام أول الليل و آخره حتى ينصرف كتب له قيام تلك الليلة، فحظي منها بما يسر
الله، و كتب من القائمين، هذا هو القيام.


و
قيام ليلة القدر يكون إيماناً و احتساباً كما في قول النبي صلى الله عليه و سلم:
"إيماناً و احتساباً".





و
الإيمان هو: التصديق بفضلها، و التصديق بمشروعية العمل فيها. و العمل المشروع فيها
هو الصلاة، و القراءة، و الدعاء، و الابتهال، و الخشوع، و نحو ذلك.. فإن عليك أن
تؤمن بأن الله أمر به، و شرعه، و رغب فيه، فمشروعيته متأكدة.


و
إيمان المرء بذلك تصديقه بأن الله أمر به، و أنه يثيب عليه.


و
أما الاحتساب: فمعناه خلوص النية، و صدق الطوية، بحيث لا يكون في قلبه شك و
لا تردد، و بحيث لا يريد من صلاته، و لا من قيامه شيئاً من حطام الدنيا، و لا
شيئاً من المدح، و لا الثناء عليه، و لا يريد مراءاة الناس ليروه، و لا يمدحوه و
يثنوا عليه، إنما يريد أجره من الله تعالى، فهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه
و سلم: "إيماناً و احتساباً".





و
أما غفران الذنوب فإنه مقيد في بعض الروايات بغفران الخطايا التي دون الكبائر، أما
الكبائر فلابد لها من التوبة النصوح، فالكبائر يجب أن يتوب الإنسان منها، و يقلع
عنها و يندم. أما الصغائر فإن الله يمحوها عن العبد بمثل هذه الأعمال، و المحافظة
عليها، و منها: صيام رمضان، و قيامه، و قيام هذه الليلة.


و
يستحب كثرة الدعاء في هذه الليلة المباركة، لأنه مظنة الإجابة، و يكثر من طلب
العفو والعافية كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت:
يا رسول الله، إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟، قال: "قولي: اللهم
إنك عفوٌ كريم تُحب العفو فاعف عني".


و
العفو معناه: التجاوز عن الخطايا، و معناه: طلب ستر الذنوب، و محوها و إزالة
أثرها، و ذلك دليل على أن الإنسان مهما عمل، و مهما أكثر من الحسنات فإنه محل
للتقصير، فيطلب العفو فيقول: يا رب اعف عني. يا رب أسألك العفو.


و
قد كثرت الأدعية في سؤال العفو، فمن ذلك دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بقوله:
"اللهم إني أسألك العفو و العافية، و المعافاة الدائمة في الدين و الدنيا و الآخرة".





و
كان بعض السلف يدعو فيقول: "اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا، فاعف عنا".


و
يقول بعضهم شعراً:


يا
رب عبدك قد أتاك، و قد أساء، و قد هفا


حمل
الذنوب على الذنوب الموبقات و أسرفا


يكفيه
منك حياؤه من سوء ما قد أســلفا


رب
اعف عنه، و عافه فلأنت أولى من عفا




فهذا القول و نحوه دليل على
أن الإنسان مهما عمل فغاية أمنيته العفو و التجاوز والصفح عن الذنوب والخطايا، و
سترها و إزالة أثرها.




من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #7  
قديم 20/06/2015, 10:58 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل




الفصل
السادس


القرآن
و الذكر في رمضان





القرآن
في رمضان:


معلوم
أن رمضان شهر له خصوصية بالقرآن. قال الله تعالى: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان))(البقرة:185).


فقد
أنزل الله القرآن في هذا الشهر، و في ليلة منه هي ليلة القدر، لذا كان لهذا الشهر
مزية بهذا القرآن.


و
كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان
يدارسه القرآن.


فعن
ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود
الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن".


فكونه
يخص ليالي رمضان بمدارسته، دليل على أهمية قراءة القرآن في رمضان.


و
معلوم أن الكثير من الناس يغفلون عن قراءة القرآن في غير رمضان، فنجدهم طوال السنة
لا يكاد أحدهم يختم القرآن إلا ختمة واحدة، أو ختمتين، أو ربما نصف ختمة في أحد عشر
شهراً، فإذا جاء رمضان أقبل عليه و أتم تلاوته.


و
نحن نقول: إنه على أجر، و له خير كبير، و لكن ينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛
لأن الله تعالى ذمّ الذين يجهرونه، قال تعالى: ((وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا
هذا القرآن مهجوراً))(الفرقان:17).


*
و من هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.


*
و من هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.


*
و من هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.


و
أما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.


و
يجب على المسلم أن يكون مهتماً بالقرآن، و يكون من الذين يتلونه حق تلاوته، و من
الذين يحللون حلاله و يحرمون حرامه، و يعملون بمحكمه، و يؤمنون بمتشابهه، و يقفون
عند عجائبه، و يعتبرون بأمثاله، و يعتبرون بقصصه و ما فيه، و يطبقون تعاليمه؛ لأن
القرآن أنزل لأجل أن يعمل به و يطبق، و إن كانت تلاوته تعتبر عملاً و فيها أجر.


و
فضائل التلاوة كثيرة و مشهورة، و لو لم يكن منها إلا قول النبي صلى الله عليه و
سلم: "من قرا حرفاً من القرآن فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم
حرف، و لكن ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف". فجعل في قراءة آلم ثلاثين حسنة.


و
فضائل التلاوة كثيرة لا تخفى على مسلم، و في ليالي رمضان و أيامه تشتد الهمة له.
كان بعض القراء الذين أدركناهم يقرؤون في كل ليلة ثلاثة أجزاء من القرآن على وجه
الاجتماع؛ يجتمعون في بيت، أو مسجد، أو أي مكان، فيقرؤونه في كل عشرة أيام مرة. و
بعضهم يقرأ القرآن و يختمه وحده.


و
قد أدركت من يختم القرآن كل يوم مرة أو يختم كل يومين مرة! فقد يسره الله و سهله
عليهم، و أشربت به قلوبهم، و صدق الله القائل: ((ولقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من
مُدَّكر))(القمر:17). و قال: ((فإنما يسَّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون))(الدخان:58).


فمن
أحب أن يكون من أهل الذكر فعليه أن يكون من الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته، و
يقرأه في المسجد، و يقرأه في بيته، و يقرأه في مقر عمله، لا يغفل عن القرآن، و لا
يخص شهر رمضان بذلك فقط.


فإذا
قرأت القرآن فاجتهد فيه؛ كأن تختمه مثلاً كل خمسة أيام، أو في كل ثلاثة أيام، و
الأفضل للإنسان أن يجعل له حزباً يومياً يقرأه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد
العصر، و هكذا. لابد أن تبقى معك آثار هذا القرآن بقية السنة و يحبب إليك كلام
الله، فتجد له لذة، و حلاوة، و طلاوة، و هنا لن تمل من استماعه، كما لن تمل من
تلاوته.


هذه
سمات و صفات المؤمن الذي يجب أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى و
خاصته.


أما
قراءة القرآن في الصلاة، فقد ذكرنا أن السلف كانوا يقرؤون في الليل فرادى و
مجتمعين قراءة كثيرة. فقد ذكروا أن الإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم في الليل
ختمة، و في النهار ختمة، في غير الصلاة؛ لأنه يقرأ في الصلاة زيادة على ذلك.


و
قد يستكثر بعض الناس ذلك و يستبعدونه، و أقول: إن هذا ليس ببعيد، فقد أدركت أناساً
يقرؤون من أول النهار إلى أذان صلاة الجمعة أربعين جزءاً في مجلس واحد. يقرأ، ثم
يعود فيقرأ، يختم القرآن ثم يعود فيختم ثلث القرآن، فليس من المستبعد أن يختم
الشافعي في النهار ختمة، و في الليل ختمة.


و
لا يستغرب ذلك أيضاً على الذين سهل القرآن في قلوبهم، و على ألسنتهم، فلا يستبعده
إلا من لم يعرف قدر القرآن، أو لم يذق حلاوته في قلبه.


و
على الإنسان إذا قرأ القرآن أن يتدبَّره و يعقله؛ لأن الله تعالى أمر بذلك في آيات
كثيرة، كما قال تعالى: ((أفلا يتدبَّرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا
فيه اختلافاً كثيراً))(النساء:82).


فنحن
مأمورون أن ننظر في هذا القرآن و نتدبره، و الكفار كذلك مأمورون بذلك حتى يعترفوا
أنه من عند الله، و أنه لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، و لاضطربت أوامره
و نواهيه، فلما كان محكماً متقناً، لم يقع فيه أي مخالفة، و لا أي اضطرابات كان
ذلك آية عظيمة، و معجزة باهرة.


فهذا
هو القصد من هذه الآية، و لكن لا ينافي ذلك بأننا مأمورون أن نتدبر كل ما قرأنا
كما أُمرنا.





الذكر
و الدعاء في رمضان:


يجب
على المسلم أن يتعلم، و أن يعمل بما تيسر له من الأذكار و الأدعية، فالأذكار يضاعف
أجرها في هذا الشهر، و يكون الأمل في قبولها أقرب، و يجب على المسلم أن يستصحبها
في بقية السنة، ليكون من الذاكرين الله تعالى، و ممن يدعون الله تعالى و يرجون
ثوابه و رضوانه و رحمته.


و
ذكر الله بعد الصلوات مشروع، و كذلك عند النوم، و عند الصباح و المساء، و كذلك في
سائر الأوقات. و أفضل الذكر التهليل و التسبيح، و التحميد، و الاستغفار، و
الحوقلة، و ما أشبه ذلك، و يندب مع ذلك أن يُؤتى بها و قد فَهِمَ معناها حتى يكون
لها تأثير، فيتعلم المسلم معاني هذه الكلمات التي هي من الباقيات الصالحات، و قد
ورد في الحديث تفسير قول الله تعالى: ((و الباقيات الصالحات))(الكهف:46). أنها:
سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا
بالله.


و
ورد في حديث آخر: "أفضل الكلام بعد القرآن أربع، و هن من القرآن: سبحان الله،
و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر". أي أفضل الكلام الذي يؤتى به
ذكراً.


فلتتعلم
-أخي المسلم- معنى التهليل، و معنى الاستغفار، و معنى الحوقلة، و معنى التسبيح، و
التكبير، و الحمد لله، و ما أشبه ذلك، تعلم معناها حتى إذا أتيت بها، أتيت بها و
أنت موقن بمضمونها، طالب لمستفادها.


و
شهر رمضان موسم من مواسم الأعمال، و لا شك أن المواسم مظنة إجابة الدعاء، فإذا
دعوت الله تعالى بالمغفرة، و بالرحمة، و بسؤال الجنة، و بالنجاة من النار، و
بالعصمة من الخطأ، و بتكفير الذنوب،و برفع الدرجات، و ما أشبه ذلك و دعوت دعاءً
عاماً بنصر الإسلام، و تمكين المسلمين، و إذلال الشرك و المشركين، و ما أشبه ذلك،
رُجي بذلك أن تستجاب هذه الدعوة من مسلم مخلص، ناصح في قوله و عمله.


و
قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالدعاء و بسؤال الجنة، و بالنجاة من النار؛ و
ذلك لأنها هي المآل.






الاستغفار
في رمضان:


يقول
الله تعالى: ((كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * و بالأسحار هم
يستغفرون))(الذاريات:17-18).


و
قد تتعجب: من أي شيء يستغفرون؟


أيستغفرون
من قيام الليل؟! هل قيام الليل ذنب؟


أيستغفرون
من صلاة التهجد؟ هل التهجد ذنب؟


نقول:
إنهم عمروا لياليهم بالصلاة، و شعروا بأنهم مقصِّرون فختموها بالاستغفار، كأنهم
يقضون ليلهم كله في ذنوب. فهذا حال الخائفين؛ إنهم يستغفرون الله لتقصيرهم.


و
يقول بعضهم:


أستغفر
الله من صيامي طول زماني و
من صلاتي


صوم
يرى كله خروق و صلاة أيما
صــــلاة


فيستغفر
أحدهم من الأعمال الصالحة، حيث إنها لابد فيها من خلل، و لذلك يندب ختم الأعمال
كلها بالاستغفار، بل بالأخص في مثل هذه الليالي.


و
قد جاء قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث سلمان: "فأكثروا فيه من أربع


خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، و خصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان
ترضون بهما ربكم: فلا إله إلا الله، و الاستغفار. و أما الخصلتان اللتان لا غنى
لكم عنهما: فتسألون الله الجنة، و تستعيذون من النار" رواه ابن خزيمة كما
سبق.


فهذا
و نحوه دليل على أنك متى وفقت لعمل فغاية أمنيتك العفو، و تختم عملك بالاستغفار.
إذا قمت الليل كاملاً، فاستغفر بالأسحار، كما مدح الله المؤمنين بقوله: ((و
بالأسحار هم يستغفرون))(الذاريات:18). فإذا وُفِّقت لقيام مثل هذه الليالي،
فاطلب العفو، أي: اطلب من ربك أن يعفو عنك، فإنه تعالى عفوّ يحب العفو.


و
العفُوُّ من أسماء الله تعالى، و من صفاته، و هو الصفح و التجاوز عن الخطايا و عن
المخطئين.


في
ختام الشهر:





و
علينا أن نختم أعمالنا كلها بالتوبة و الاستغفار، سواء في قيام هذه الليالي أو
غيرها من سائر الأعمال، بل نختم عملنا كله بما يدل على تعظيم الله تعالى، و ذكره و
الثناء عليه.


و
قد أمر الله عباده بأن يختموا شهرهم بالتكبير في قوله تعالى: ((و لتكملوا العدة و
لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون))(الذاريات:18).


و
لكن، ما مناسبة ختم رمضان بالتكبير بعد إكمال العدة؟


أقول:
إن الإنسان إذا كبّر الله استحضر عظمته و جلاله، و كبرياءه، و قداسته، فاحتقر نفسه
و احتقر أعماله مهما عمل، و لم يذكر شيئاً من أعماله و لم يفتخر بها. و بمثل ذلك
يكون محلاً للعفو و لقبول الحسنات، فإذا عرفت بأن ربك أهل لأن يعبد، و أهل للثناء
و المجد، و أهل لأن يحمد، و أنك لو عبدت الله تعالى بكل ما تستطيعه لما أديت أقل
القليل من حقه عليك، كما يقول بعضهم:





سبحان من لو سجدنا بالعيون له
على حمى الشوك و المحمى من الإبر


لم نبلغ العشر من معاشر مِنّــته و لا
العشير و لا عشراً من العشر





فنحن
إذا أنهينا صيامنا و قيامنا. نعرف أن ربنا هو الكبير الأكبر، و أنه أهل لأن يكبّر،
و يعظّم، و أنه أهل للعبادة، و لذلك يُروى أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة و قابلوا
ربهم. اعترفوا بالتقصير، و قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".





أي
مهما كانت عبادتك فإنك ستحتقرها، و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: "لا
يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله، و قمته كله"، قال الراوي: فلا أدري، أكره
التزكية، أو قال: لا بد من نومه أو رقده؟ أو تقصيره.





و
كلا الأمرين، حق فإن الإنسان منهي أن يزكي نفسه قال تعالى: ((فلا تزكوا أنفسكم هو
أعلمُ بمن اتقى))(النجم:32). و قال: ((ألم تر إلى الذين يُزكُّون أنفسهم بل الله
يزكِّي من يشاء))(النساء:49).





فتزكية
النفس: مدحُها، و رفع مقام الإنسان لنفسه و الإعجاب، و قد يكون الإعجاب سبباً
لإحباط العمل! فعليك أن تحتقر نفسك، فإذا نظرت إلى الناس، و احتقرت أعمالهم فارجع
إلى نفسك و احتقرها، و لُمْهَا حق اللوم، و حقِّر عملك حتى يحملك ذلك على
الاستكثار، و لا تعجب بأي عمل فعلته فلا تقل:


أنا
الذي صليت!


أنا
الذي قمت!


أنا
الذي تهجدت!


أنا
الذي قرأت .. إلخ، فيكون إعجابك سبباً لرد أعمالك!


فهذا
و نحوه من الإرشادات التي ينبغي على المسلمين أن يعملوا بها، و أن يهتدوا إليها، و
يحرصوا على استغلالها في مثل هذه الليالي المباركة.





من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #8  
قديم 20/06/2015, 11:00 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


الفصل
السابع


زكاة
الفطرو ما يتعلق بها من أحكام





معنى
زكاة الفطر و سبب تسميتها بذلك:


هي
الصدقة التي تخرج في آخر رمضان، و في ليلة عيد الفطر و صباح عيد الفطر، و سميت
بزكاة الفطر لأنها شرعت عند إتمام الشهر، و في الزمن الذي يفطر فيه الصائمون من
رمضان، فهي زكاة الإفطار، أو صدقة عيد الفطر الذي بعد إكمال رمضان.





تاريخ
تشريع زكاة الفطر:


الظاهر
أنها شرعت وقت فرضية رمضان، أي في السنة الثانية من الهجرة، و ذلك لأنها تضاف إلى
رمضان و إلى الإفطار منه، فهي تابعة له، و لم يذكر أنهم صاموا الشهر و لم يخرجوا
زكاة الفطر.





حكم
زكاة الفطر:


لا
شك أنها واجبة، ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه و
سلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير…". الحديث. و الفرض
في الظاهر هو الإيجاب و الإلزام، فدل على أنها من الفرائض.


و
نقل ابن المنذر و غيره الإجماع على ذلك، لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرضية،
على قاعدتهم في التفريق بين الفرض والواجب، و قد ثبت أن قوله تعالى: ((قد أفلح من
تزكى))(الأعلى:14). نزلت في زكاة الفطر كما روى ذلك ابن خزيمة.





الحكمة
من تشريع زكاة الفطر:


روى
ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر طهرة للصائم من
اللغو و الرفث، و طعمة للمساكين". رواه أبو داود و ابن ماجه و الدار قطني و
الحاكم و صححه. و ذلك أن الصائم في الغالب لا يخلو من الخوض و اللهو و لغو الكلام،
و ما لا فائدة فيه من القول و الرفث الذي هو الساقط من الكلام، مما يتعلق بالعورات
و نحو ذلك، فتكون هذه الصدقة تطهيراً للصائم مما وقع فيه من هذه الألفاظ المحرمة
أو المكروهة، التي تنقص ثواب الأعمال و تخرق الصيام.


ثم
هي أيضاً طعمة للمساكين، و هم الفقراء المعوزون، ليشاركوا بقية الناس فرحتهم
بالعيد، و لهذا ورد في بعض الأحاديث: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم".
يعني أطعموهم و سدُّوا حاجتهم، حتى يستغنوا عن الطواف و التكفف في يوم العيد، الذي
هو يوم فرح و سرور.



ثم
إن إخراجها عن الأطفال و غير المكلفين و الذين لم يصوموا لعذر من مرض أو سفر داخل
في الحديث، و تكون طهرة لأولياء غير المكلفين، و طهرة لمن أفطر لعذر، على أنه سوف
يصوم إذا زال عذره، فتكون طهرة مقدمة قبل حصول الصوم أو قبل إتمامه.





أصناف
زكاة الفطر:


في
حديث أبي سعيد المتفق عليه قال: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله
صلى الله عليه و سلم: صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً
من زبيب، أو صاعاً من أقط، فلم نزل كذلك حتى قدم علينا معاوية المدينة، فقال: إني


لأرى مدّين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد: فلا
أزال أخرجه كما كنت أخرجه".


و
للنسائي عنه قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة الفطر صاعاً من
طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط".


و
للدار قطني عنه قال: "ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا
صاعاً من دقيق، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من
شعير، أو صاعاً من أقط". و غير ذلك من الروايات.


و
قد ذهب الأكثرون إلى أنها لا تخرج إلا من الأصناف الخمسة المذكورة، و هي: الطعام،
أي: البر كما ورد مفسراً في بعض الروايات، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأقط؛
لأنها الأقوات المعتادة لغالب الناس، و رجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز إخراجها من
غالب قوت البلد، و منه الأرز و الذرة و الدخن إذا غلب أكلها في إحدى الجهات، و هو
الأقرب إن شاء الله تعالى.





مقدار
زكاة الفطر:


ذكر
في حديث أبي سعيد أنها صاع من أحد الأصناف المذكورة، و قد اختلف في مقدارها من
البر، فرأى معاوية الاكتفاء بنصف صاع منه، لكونه أفضل من الشعير، و أن الفقراء قد
لا يأكلون الشعير أحياناً؛ بل يطعمونه الدواب و البهائم، و كذا التمر؛ سيما الرديء
منه، فنصف الصاع من البر يعدل الصاع من الشعير في القيمة، ثم هو أنفع من الشعير
للفقراء، و قد عمل بذلك كثير من الصحابة، ذكرهم الحافظ في شرح البخاري و غيره.


و
ورد في ذلك حديث حسنه الترمذي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله
عليه و سلم بعث منادياً في فجاج مكة "ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم
ذكر أو أنثى، حر أو عبد صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه، صاع من طعام".


و
لكن حديث أبي سعيد أصح منه، و فيه صاع من طعام، و قد فسّره الخطابي بالبر و هو
الأولى، و قد اختار أبو سعيد البقاء على ما كان عليه وقت النبي صلى الله عليه و
سلم، و هو إخراج الصاع كاملاً دون موافقة معاوية على رأيه.


ثم
إن الصاع معروف، و هو أربعة أمداد، و المد من البر ملء الكفين المتوسطين مجموعتين،
و قدر الصاع بأنه خمسة أرطال و ثلث بالعراقي، و الصاع معروف في هذه البلاد، و هو
مع العلاوة يقارب ثلاث كيلو، و بدون علاوة نحو كيلوين و نصف، و الاحتياط إكمال
الثلاثة.





إخراج
قيمة زكاة الفطر (نقداً):


ورد
في السنة إخراجها من الأطعمة التي ذكرت في الأحاديث، أو من غالب قوت البلد، ليحصل
بها الاقتيات و الاستغناء عن التكفف و التسول يوم العيد، و يكفى الفقراء عن الشراء
و الحمل بإيصالها إلى منازلهم غالباً.


و
قد ذهب الحنفية إلى جواز إخراج القيمة، و هو إخراجها نقداً من الدراهم أو
الدنانير، و زعموا أنه أرفق بالفقير، حتى يتمكن من شراء ما يناسبه من الطعام أو
غيره، و هو خلاف النصوص الواردة و الأحاديث المتكاثرة، فإن القيمة موجودة في العهد
النبوي، و لم يأمر بالإخراج منها؛ و لأن في إخراجها طعاماً إشهار لها و إعلان للعمل
بها، بخلاف القيمة فإنها تكون خفية، يعطيها المزكي بخفية، و قد يأخذها من لا
يستحقها.





على
من تجب زكاة الفطر:


تجب
على المسلم الحر العاقل إذا فضل بشيء عن قوته و قوت عياله يوم العيد و ليلته،
فيخرج عن نفسه و عن كل من يمونه ممن تجب عليه نفقته، فإن عجز عن الجميع، بدأ
بنفسه، فامرأته، ثم برقيقه، ثم بولده، ثم بأمه، ثم أبيه، ثم الأقرب فالأقرب من
عصبته، ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه
و سلم زكاة الفطر من رمضان.. على العبد و الحر، و الذكر و الأنثى، و الصغير و
الكبير، من المسلمين". و في حديث ثعلبة بن أبي صُعَيرْ مرفوعاً: "صاع من
بر، أو قمح، على كل إثنين، صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى، غني أو فقير،
أما غنيكم فيزكيه الله، و أما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى" رواه أبو
داود و أحمد و غيرهما. و وقع في بعض طرق حديث ابن عمر: "على كل صغير و كبير،
حر و عبد، ممن تمونون"رواه الدار قطني.


و
لا تلزمه فطرة زوجته إذا نشزت، و لا عبده المكاتب؛ لأنها لا تلزمه نفقتهما، و من
تبرع بنفقة إنسان شهر رمضان لم تجب عليه فطرته التي هي تابعة لوجوب النفقة.


و
استحبها بعض الصحابة عن الجنين في بطن أمه من غير وجوب، و من وجبت فطرته على غيره
فأخرج عن نفسه كالزوجة و الابن و الأم أجزأت عنه، لأنه المخاطب بها، و إنما تحملها
عنه و ليه تبعاً للنفقة أو للحاجة.





جهة
إخراج زكاة الفطر:


مصرف
الفطرة كمصرف الزكاة، فأهلها هم أهل الزكاة المذكورون في قوله تعالى: ((إنما الصدقات
للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و
في سبيل الله و ابن السبيل))(التوبة:6). و حيث إن وصف الفقر و المسكنة هو الغالب،
فإن المقدم فيها هم الفقراء و المساكين، الذين تعوزهم النفقة و يحتاجون إلى تحصيل
القوت الضروري لهم و لعوائلهم، و لهذا ورد في الحديث: "أغنوهم عن السؤال في
هذا اليوم".


ثم
عليه أن لا يحابي بها، و أن يقدم من علمه أشد حاجة، فإن كان أقاربه من أهلها فهم
أولى من الأباعد مع الاستواء في الحاجة؛ و لأنه ورد في الحديث: "صدقتك على
الفقير صدقة، و على ذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة". و لا يجوز لمن تلزمه مؤنته
كزكاة المال.





نقل
زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر:


لا
يجوز ذلك إلا إذا لم يوجد في البلد فقراء، و قد ذكر العلماء أنها تتبع البدن،
فيخرجها في البلد الذي تدركه ليلة العيد و هو فيه، و لو كان سكنه و أهله في غيره، كمن
يصوم آخر الشهر بمكة، فإنه يخرجها هناك، و أهله يخرجون عن أنفسهم في موضعهم الذي
يوجدون فيه ليلة الفطر، فإن لم يوجد في بلده فقراء من أهلها، و عرف فقراء في بلد
آخر جاز نقلها إلى أقرب بلدة يعرف فيها من هم من أهل الاستحقاق، و قيل: يجوز إلى
أبعد منها إذا كانوا اشد حاجة أولهم رحم و قرابة.





وقت
إخراج زكاة الفطر:


لا
شك أنها تجب بغروب الشمس ليلة عيد الفطر، فمن أسلم بعده لم تلزمه الفطرة، و من ولد
بعد الغروب لم تجب على وليه، و إذا تزوج بعد الغروب و تسلم زوجته لم تلزمه فطرتها،
و كذا لو اشترى عبداً بعد خروج شهر رمضان و لو بلحظات؛ فإن فطرته على البائع.


و
الأصل أنها تخرج ليلة العيد، و الأفضل إخراجها في يوم العيد قبل الصلاة، فإن عرف
الفقير فأوصلها إليه فهو الأفضل، و إلا أودعها له حتى يأخذها بعد الصلاة، ليتحقق
إغناء الفقراء في يوم العيد، و وقع في حديث ابن عمر عند البخاري: "و أن تؤدى
قبل خروج الناس إلى الصلاة". و لمسلم: "أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل
خروج الناس إلى الصلاة". و لابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: "من السنة أن
تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة".


و
قال الخرقي: و إن قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه. و في حديث ابن عمر في الصحيح:
"و كانوا يعطون قبل العيد بيوم أو يومين".


و
الصحيح أنها لا تجزئ إن قدمها قبل العيد بثلاث ليال فأكثر، لإضافتها إلى الفطر، و
لأن تقديمها بكثير لا يحصل به التوسعة على الفقير في يوم العيد، و اغتفر التقديم
بيوم أو يومين لأن ما قرب من الشيء أعطي حكمه، و لو قيل بجواز التقديم إذا كان
الفقراء قليلاً و أهل الزكاة كثير، بحيث يجتمع عند الفقير ما يقوته نصف العام، كما
هو الواقع في كثيراً من البلاد، لجاز ذلك في الظاهر، لحصول الإغناء لهم يوم العيد
و زيادة و الله أعلم.





من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #9  
قديم 20/06/2015, 11:01 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


الفصل
الثامن


أحكام
العيدين


(عيد
الفطر و عيد الأضحى)





أعياد
المسلمين و حكم الاحتفال و التهنئة بأعياد الكفار:


العيد:
اسم لما يعود و يتكرر، إما بعود الأسبوع أو الشهر أو السنة، من الاجتماع العام على
وجه مخصوص، و أكثر ما يطلق على أيام الفرح و السرور و الأنبساط، و لهذا يقول بعض
السلف: "كل يوم يمر بك و أنت في طاعة و عباده فهو لك عيد".


و
في ذلك يقول بعضهم شعراً:





عيدي مقيم و عيد الناس منصرف
و
القلب مني عن اللذات منحرف


و لي قرينان مالي منهما خلــف
طول
الحنين و عين دمعها يكـف





فأعياد
المسلمين ثلاثة:


*
عيد يتكرر كل أسبوع و هو يوم الجمعة.


*
و عيد يحتفلون بعد إكمال صومهم.


*
و عيد وقت موسم حجهم و نسكهم.


فشرع
الله لهم بعد إكمال صلاتهم المكتوبة سبعة أيام أن يكون السابع يوم الجمعة، و هو
عيد لهم، و لكنه يوم عبادة يجتمعون فيه و يؤدون فيه صلاة خاصة، تجمع أهل البلد
كلهم، و فيه يستمعون إلى الخطب و النصائح و المواعظ، و يلتقي بعضهم ببعض، و
يتبادلون التحية و السلام، و يتفقدون أحوال إخوانهم، و يطمئن بعضهم على صحة إخوته،
و يتعرفون أحوال المرضى و المعوزين، و يخفف بعضهم عن بعض، و نحو ذلك من المصالح
الكبيرة التي تترتب على هذا الاجتماع و التلاقي.





كما
شرع لهم بعد إكمال صومهم و ما معه من العبادات التي يتقربون بها إلى ربهم في
شهر رمضان، أن يكون اليوم الذي بعده عيداً لهم، يظهرون فيه الفرح و السرور، و
يتبادلون التهنئة والتبريك، بإكمال صومهم، و إدراك يوم عيد الفطر الذي يسمى يوم
الجوائز؛ حيث يحصلون على جوائز المغفرة و الرحمة و العتق من النار، و ليس هو يوم
أشر و بطر و سهو و لهو و غناء و زمر و باطل، و لهذا يٌفتتح بصلاة العيد التي فيها
المواعظ و النصائح، و فيها إظهار التكبير و التسبيح، امتثالاً لقوله تعالى: ((و
لتكبروا الله على ما هداكم))(البقرة:185).





و
شرع العيد الثاني السنوي وقت أداء المناسك الخاصة بالحرم المكي، و بعد إكمال العشر
الأول من شهر ذي الحجة التي يشرع فيها التعبد و الذكر و الدعاء و العمل الصالح، و
في آخرها أيام ذبح الأنساك و القرابين، فناسب أن يكون اليوم العاشر يوم عيد لجميع
المسلمين في جميع البلاد، يتقربون فيه بذبح الأضاحي، و يؤدون فيه صلاة العيد و
خطبتيه، و ينصتون لما فيهما من المواعظ و التعليمات، فهذه أعياد المسلمين.





فأما
أعياد الكفار: فهي خاصة بهم، كيوم النيروز، و يوم المهرجان، و عيد المولد، أو رأس
السنة الميلاد، و مثلها ما أحدثه بعض المسلمين: كالمولد النبوي و نحوه، فهي أعياد
تخصهم، و قد برئ الإسلام منها ومن أهلها، و على هذا فلا تجوز مشاركتهم فيها، سواء
في عيد الأسبوع كالسبت لليهود و الأحد للنصارى، أو أعياد السنة المعروفة عندهم،
فيحرم على المسلم الاحتفال بها لكونها مبتدعة أو منسوخة، و لا تجوز تهنئتهم و لا
التبريك لهم، و لا إظهار الفرح بتلك الأعياد، و لا الأكل من أطعمتهم أو ما يقدمون
لزملائهم من فواكه و حلوى و نحو ذلك، لما فيه من الرضا بتلك الأعياد المبتدعة و
الإقرار بها.





من
أحكام العيد:


أولاً:
حكم صلاة العيد:


قد
اختلف في حكم صلاة العيد:


فذهب
بعض العلماء إلى أنها فرض عين، لأن النبي صلى الله عليه و سلم داوم على فعلها و
أكدها، و كان يأمر أصحابه بالخروج إليها، و يسقط بفرضها صلاة الجمعة عمن أدركها
إذا اجتمع العيد و الجمعة. و لأنه أمر أن يخرج لها النساء، حتى العواتق و ذوات
الخدور، و حتى الحيض من النساء، و ذلك مما يدل على فرضيتها على الأفراد المكلفين.





و
ذهب آخرون إلى أنها سنة مؤكدة؛ لأن الفرض قد اختص بالصلوات الخمس، و لقوله لمن
قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" فيدخل في التطوع صلاة
العيد؛ لأنها زائدة على الخمس.


و
ذهب بعضهم إلى أنها فرض كفاية، و لعله الأرجح فتجب على أهل كل بلد، و لا تلزم جميع


الأفراد؛ لأنها من شعائر الإسلام، و تفعل علانية، و يتبعها خطبة و تعليم و أحكام،
فإذا قام بها من يكفي حصل المقصود.





ثانياً:
من سنن و مستحبات صلاة العيد:


لصلاة
العيد سنن و مستحبات كثيرة:





منها:
التجمل لها و لبس أحسن الثياب، فقد عرض عمر حلة عطارد على النبي صلى الله عليه و
سلم ليتجمل بها للعيد و الوفود، إلا أنه ردها؛ لأنها من الحرير فقد كان له حلة
يلبسها في العيد و الجمعة.


و
منها: شرعية الأكل تمرات وتراً قبل صلاة عيد الفطر، ليتحقق الإفطار، و لا
يأكل في عيد النحر حتى يأكل من أضحيته إن ضحى.


و
منها: شرعية الخروج إلى الصلاة ماشياً، حتى تكتب له خطواته ذهاباً و
إياباً(عن علي رضي الله عنه قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، و أن
تأكل شيئاً قبل أن تخرج" أخرجه الترمذي برقم 530).





و
منها: مخالفة الطريق بأن يرجع مع غير الطريق الذي ذهب معه، و لعل ذلك
لتكثير مواضع العبادة، أو لغير ذلك.


و
منها: صلاة العيد في الجبانة خارج البلد، فلا تُصلى في المسجد الجامع إلا
لعذر كمطر و نحوه، أو للعجزة و الضعفاء.


و
منها: شرعية الاغتسال قبل الخروج، كما يشرع للجمعة، و كذا الطيب و التنظف
لإزالة الروائح الكريهة.


و
منها: شرعية التكبير في موضع الصلاة و في الطريق إليه، و رفع الصوت به،
امتثالاً لقوله تعالى: ((و لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما
هداكم))(البقرة:185) فيسن للمسلمين إظهار التكبير و الجهر به، فهو من شعائر ذلك
اليوم، و صفته:


(الله
أكبر الله أكبر الله أكبر،لا إله إلا الله، و الله أكبر الله أكبر، و لله الحمد).


و
إن شاء قال:


(الله
أكبر كبيراً، و الحمد لله كثيراً، و سبحان الله بكرةً و أصيلا. و تعالى الله
جباراً قديراً، و صلى الله على محمد النبي و سلم تسليماً كبيراً)، أو نحو ذلك من
التكبير.


و
يكبر كل فرد وحده، و لا يجوز التكبير الجماعي الذي هو اجتماع جماعة على التكبير
بصوت واحد و وقت واحد، لكن من لا يعرف صيغة التكبير لجهل أو عجمة يجوز له متابعة
بعض من يكبر حتى يتعلم.


و
منها: شرعية تقديم الصلاة قبل الخطبة، و لو خرج أو انصرف البعض، فإن
المحافظة على السنة أولى من جبس الناس لأجل استماع الخطبة، مع المخالفة لما نقل عن
النبي صلى الله عليه و سلم و عن خلفائه الراشدين، ففي اتباع السنة خير كثير و الله
الموفق.





من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #10  
قديم 20/06/2015, 11:03 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل




ثالثاً:
من آداب العيد:


يوم
العيد هو يوم فرح للمسلمين و سرورهم، ففيه يتجملون و يلبسون أحسن الثياب، و فيه
يتزاورون و يتبادلون التهاني و التبريك بهذا اليوم المبارك، و يدعون ربهم أن يعيد
عليهم من بركاته، و أن يعود عليهم مرات بعد مرات، و هم في غاية النصر و التمكين و
الهناء، و العيش الرغيد و الحياة السعيدة، و فيه يعودون المرضى و يتواصلون
الأرحام، و يجتمع الأقارب و يتلاقون بعد طول الغيبة.


و
يجوز فيه إظهار شيء من الفرح و المرح و اللهو المباح، ففي الصحيح عن عائشة رضي
الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و عندي جاريتان من
جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث و ليستا بمغنيتين، فاضطجع على
الفراش و حوَّل وجهه، و دخل أبو بكر فانتهرني، و قال: أمزامير الشيطان في بيت رسول
الله صلى الله عليه و سلم، و ذلك في يوم عيد. فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه
و سلم فقال: "دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً و هذا عيدنا". فدل على
أنه يباح لمثل عائشة سماع شيء من الشعر الذي فيه ترويح عن النفس و جلب للفرح و
الانبساط إذا لم يكن فيه شيء من التمطيط و التكسير و التهييج بما يثير الغرائز و
يدفع إلى اقتراف الفواحش، و لهذا قالت: "و ليستا بمغنيتين" أي ليستا ممن
يعرف الغناء الذي يحرك الساكن و يبعث الكامن، كالذي فيه وصف الخدود و القدود و
الخمر و نحو ذلك.





و
في الصحيح أيضاً عنها قالت: و كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق و الحراب فقال صلى
الله عليه و سلم: "تشتهين تنظرين" فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على
خده، و هو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: "حسبك"، قلت:
نعم، قال: "فاذهبي" قالت: فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على
اللهو. رواه سالبخاري في عدة مواضع، و هو دليل على جواز اللعب بالسلاح على طريق
التواثب للتدرب على الحرب و التنشيط عليه، لما فيه من تمرين الأيدي على آلات
الحرب، و فيه أن للعيد خصوصية بمثل هذا التدرب و التمرن على آلات الحرب و تعلم
كيفية حملها.








رابعاً:
صفة صلاة العيد:


لا
خلاف أنها صلاة معتادة، يشترط لها الطهارة و سائر شروط الصلاة، إلا أنها لا يؤذن
لها و لا يقام، بل يكتفى بمعرفة وقتها، و هو بعد خروج وقت النهي، أي بعد ارتفاع
الشمس قيد رمح، و يخرج بزوال الشمس، فإن لم يعلموا بالعيد إلا بعد وقتها صلوها من
الغد قضاء.


و
لا خلاف أن صلاة العيد ركعتان، إلا أنه يفتتح الأولى بسبع تكبيرات، و الثانية بخمس
تكبيرات غير تكبيرة القيام، و يرفع يديه مع كل تكبيرة، و يقول بين كل تكبيرتين من
الزوائد:


(الله
أكبر كبيراً، و الحمد لله كثيراً، و سبحان الله بكرة و أصيلاً، و صلى الله على
محمد النبي الأمي و على آله و أصحابه و سلم تسليماً كثيراً).


و
إن أحب قال: (سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر).


و
يقرأ بعد التكبيرات بالفاتحة وسورة، و المستحب أن يقرأ بسبح و الغاشية، أو يقرأ
بقاف و اقتربت الساعة، و يجهر بالقراءة.


و
إذا سلم خطب خطبتين يجلس بينهما كما في الجمعة، يحثهم في الفطر على صدقة الفطر و
على العمل في ذلك، و يبين لهم في الأضحى أحكام الأضحية و سنتها.


و
في الصحيح عن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب فقال: "إن أول ما نبدأ
من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل فقد أصاب سنتنا" و في حديث
أنس: "من ذبح قبل الصلاة فليعد". و في حديث البراء: "من صلى صلاتنا
و نسك نسكنا فقد أصاب النسك، و من نسك قبل الصلاة فلا نسك له". و النسك هو:
ذبح الأضحية.


و
في حديث أبي سعيد عند البخاري: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج يوم
الفطر و الأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس،
و الناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً
قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف".


ولم
يكن يصلي قبل صلاة العيد في موضعها لا قبلها و لا بعدها، لكن إن صليت في المسجد
الجامع جاز أن يصلي قبلها ركعتين كتحية للمسجد، لكن السنة الصلاة خارج البلد. و لم
يتخذ النبي صلى الله عليه و سلم منبراً في مصلى العيد، و إنما كان يخرج بالحربة
فتركز قدامه كسترة.



و
يشرع لمن فاتته أن يقضيها، فقد ذكر البخاري عن أنس أنه أمر مولاه فجمع أهله و بنيه
و صلى بهم كصلاة أهل المصر و تكبيرهم، و قال عطاء: إذا فاته العيد صلى ركعتين.





خامساً:
الفرق بين صلاة عيد الفطر و صلاة عيد الأضحى:


ليس
هنا فرق في نفس الصلاة، فكل منهما تُصلى ركعتين، و فيهما التكبيرات الزوائد و ما
يقال بينها.


لكن
يُسن في الفطر أن يأكل قبلها تمرات وتراً، و لا يأكل في الأضحى إن ضحى، حتى يأكل
من أضحيته.


و
يُسن التبكير بصلاة الأضحى لأجل الاشتغال بالأضاحي، و عكسه الفطر فيؤخرها قليلاً
ليتمكنوا من الأكل، و من التأهب للصلاة بالنظافة و التجمل.


و
أما في الخطبة: فإنه في الفطر يذكرهم بفضل ذلك اليوم، و أنه يوم الجوائز، و فيه
ينصرف المقبولون قد غفر لهم، يرشدهم إلى الطاعات و يحثهم على الاستكثار من صالح
الأعمال، و يحذرهم من المعاصي و يبين لهم آثارها.


أما
في الأضحى: فإنه يذكر لهم حكم الأضحى و أصلها و فضلها، و ما يجزئ فيها و ما لا
يجزئ، و وقت الذبح و كيفية التوزيع للحم، و يرشدهم أيضاً إرشادات عامة بهذه
المناسبة.








سادساً:
حكم خروج النساء لصلاة العيد:


في
الصحيح عن أم عطية قالت: أمرنا أن نخرج العواتق و ذوات الخدور، و يعتزل الحيض
المصلى. و عن جابر رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفطر
فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن و هو يتوكأ على يد
بلال، و بلال باسط ثوبه يُلقي فيه النساء الصدقة.. صدقة يتصدقن حينئذ: تُلقي فتخها
و يلقين، قلت: أترى حقاً على الإمام ذلك و يذكرهن؟ قال: إنه لحق عليهم، و ما لهم
لا يفعلونه؟.





و
في الصحيح عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه و سلم كأني أنظر إليه حين
يُجَلِّسَ بيده، ثم أقبل يشقُّهم حتى جاء النساء معه بلال، فقال: ((يا أيها النبي
إذا جاءك المؤمنات يبايعنك))(الممتحنة:12). ثم قال حين فرع منها: "آنتن
على ذلك؟" قالت امرأة منهن: نعم. قال: "فتصدقن" فبسط بلال ثوبه، ثم
قال: هلم لكن فداء أبي و أمي، فيلقين الفتخ و الخواتيم في ثوب بلال. و في رواية
قال: "تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، تكثرن اللعن و تكفرن العشير".





و
في حديث أم عطية قالت: يا رسول الله على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا
تخرج؟ فقال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير و دعوة المسلمين".
و في رواية: "ليخرج العواتق و ذوات الخدور و الحيض، و يعتزل الحيض المصلى، و
ليشهدن الخير و دعوة المؤمنين".


و
هذه الروايات في الصحيحين أو أحدهما، و كلها تفيد استحباب خروج النساء حتى الحيض،
و لكن لابد أن تؤمن الفتنة، و أن لا يخرجن بلباس جمال و زينة ظاهرة، فقد قالت
عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أحدثه النساء
لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل .


و
لعل ذلك ما يلبسنه من الثياب و ما يبدو منهن من الزينة و الجمال، فقد ورد في الإذن
للنساء بالصلاة في المساجد قوله: "و ليخرجن تفلات".


و
لا شك أن الأمر قد تفاقم، و قد تضاعف ما كان في وقت عائشة، و كثر في نساء هذا
الوقت المباهاة في الحلي، و إبداء الزينة، و إظهار المحاسن، فالله المستعان.





نكرات
تقع في يوم العيد:


1- إحياء
ليلة العيد:


لا
شك أن إحياء الليل بالصلاة و القراءة و التعبد و الدعاء و التضرع عبادة و قربة، قد
ندب الله إليه و حث عليه في آيات كثيرة، و أن قيام ليالي رمضان من أسباب المغفرة
و كذا قيام ليلة القدر.


فأما
ليلة العيد فلم يرد في إحيائها فضل، و لا حث الشرع على تخصيصها بقيام أو قراءة،
فمن خصها بالإحياء وحدها دون ما قبلها و ما بعدها فقد ابتدع و شرع من الدين ما لم
يأذن به الله، لاعتقاده أنه سبق الصحابة و أهل السنة، و تفوق على سلف الأمة، فيدخل
في قول النبي صلى الله عليه و سلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو
رد". أي مردود عليه.


لكن
إذا كان الرجل من عادته قيام الليل طوال السنة أو أكثرها، فإن ليلة العيد تدخل في
ذلك.





-
اختلاط النساء بالرجال في مصلى العيد و غيره:


و
هذا من المنكر الذي يجب السعي في إزالته، لما فيه من إثارة الفتنة و الدعوة إلى
اقتراف الفاحشة، فإنَّ قُرْبَ المرأة من الرجال مما يلفت أنظارهم نحوها، مهما حاولوا
التعفف و الصدود، فإنه يقع في الغالب من ينظر إلى النساء أو يحاول القرب منهن
والاحتكاك بهن، ثم مخاطبتهن و مبادلتهن الكلام إن تمكن من ذلك، كما يحصل من
الاختلاط في الأسواق و المستشفيات و غيرها.


فالواجب
الفصل بين الرجال و النساء، و أن يجعل لهن مواضع تخصهن، و أبواب يدخلن و يخرجن
معها، سيما في الحرمين الشريفين، و قد تقدم قول عائشة رضي الله عنها: لو شهد رسول
الله صلى الله عليه و سلم أو لو رأى ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد، كما منعت
نساء بني إسرائيل أي من الزينة و اللباس و الطيب و الجمال الذي يفتن الرجال إلا من
حفظه الله.





-
الاجتماع على الغناء و الرقص و بعض المعاصي لإظهار الفرح:


هناك
من يجعل يوم العيد و الأيام بعده أيام لهو و لعب و غناء و طرب، و يجتمع الخلق
الكثير و يعملون ولائم و ينفقون الأموال الطائلة في إصلاح الأطعمة، و يسرفون في ما
يصرفونه من الأموال في اللحوم و الفواكه و أنواع المآكل التي يعدونها للمغنين و
أهل الزمر و اللهو، و يستعملون الضرب بالطبول و إنشاد الأغاني الملحنة الفاتنة، و
ما يصحبها من التمايل و الطرب، و يستمر بهم هذا الفعل بضعة أيام، حتى إنهم يسهرون
أكثر الليل و يفوتون صلاة الصبح في وقتها و جماعتها.





و
لا شك أن هذه الأفعال تدخل في التحريم، و تجر إلى مفاسد ما أنزل الله بها من
سلطان، و تدخل في اللهو الذي عاب الله أهله بقوله تعالى: ((و من الناس من يشتري
لهو الحديث))(لقمان:6). و في الوصف الذي ذم الله به أهل النار بقوله: ((الذين
اتخذوا دينهم لهواً و لعباً و غرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء
يومهم هذا))(الأعراف:51).





فننصح
من يريد نجاة نفسه أن يربأ بها عن هذه الملاهي، و أن يحرص على حفظ وقته فيما
ينفعه، و أن يبتعد عن المعاصي و المخالفات، و أن لا يقلد أهل اللهو و الباطل و لو
كثروا أو كبرت مكانتهم.





-
الفرح بالعيد لأنهم تركوا رمضان:


يعتقد
كثير من الناس أن شرعية العيد بعد رمضان عبارة عن الفرح بخروجه و التخلص منه، لأنه
يحول بينهم و بين ملذاتهم و مشتهياتهم، و يفطمهم عن عاداتهم النفسية التي مرنت
عليها نفوسهم، و اعتادتها أهواؤهم طوال العام، فهم يعتبرونه شهر حبس و حيلولة
بينهم و بين ما يشتهون، و قد يستشهد بعضهم بقوله تعالى: ((و حيل بينهم و بين ما
يشتهون))(سبأ:54).





قال
ابن رجب في لطائف المعارف في الكلام على النهي عن صوم آخر شعبان قال: و لربما ظن
بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات
قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، و لهذا يقولون هي أيام توديع للأكل، و تسمى تنحيساً و
اشتقاقه من الأيام النحسات.. و ذكر أن أصل ذلك من النصارى، فإنهم يفعلونه عند قرب
صيامهم، و هذا كله خطأ و جهل ممن ظنه، و لربما لم يقتصر كثير منهم على الشهوات
المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات، و هذا هو الخسران المبين، و أنشدهم لبعضهم:


إذ العشرون من شعبان ولت
فواصل
شرب ليلك بالنهــار


و لا تشرب بأقداح صغـار
فإن الوقت ضاق
على الصغار


و
قال آخر:


جاء شعبان منذراً بالصيـام
فاسقياني
راحاً بماء الغمــام





و
من كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه، و له نصيب من قوله تعالى: ((و لقد ذرأنا
لجهنم كثيراً من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها))(الأعراف:170) ، و ربما
تكره كثير منهم بصيام رمضان، حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه، و كان
للرشيد ابن سفيه فقال مرة شعراً:


دعاني شهر الصوم لا كان من شهر
و لا صمت شهراً بعـده آخر الدهــر


فلو كان يعديني الأنام بقــــدرة
على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر





فأخذه
داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة، و مات قبل أن يدركه رمضان آخر.


و
هؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه، فكثير منهم لا يصلون إلا
في رمضان، و لا يجتنب كبائر الذنوب إلا فيه، فيشق على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو
يعد الأيام و الليالي ليعود إلى المعصية، و منهم لا يقوى على الصبر عن المعاصي فهو
يواقعها في رمضان أ. هـ. هكذا ذكر ابن رجب رحمه الله عن أهل زمانه و من قبلهم.


و
لا شك أن الدين يزداد غربة و الأمر في شدة، و الكثير من هؤلاء الذين يتوقفون
ظاهراً عن مألوفاتهم يفرحون بانقضاء الشهر و انصرافه، فالعيد عندهم يوم فرحتهم
برجوعهم إلى دنياهم و ملاهيهم و مكاسبهم المحرمة أو المكروهة، فأين هؤلاء ممن
يحزنون و يستاؤون لاقضاء الشهر؟!، بل من الذين يجعلون السنة كلها صيام و قيام و
عبادات و قربات، و يحمون أنفسهم عن جميع الملذات فضلاً عن المحرمات؟!! فالله
يرحمهم فما مثلنا و مثلهم إلا كما قال القائل:

نزلوا بمكة في قبائل هاشم
و نزلت بالبيداء أبعد منزل




من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #11  
قديم 20/06/2015, 11:06 AM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
تابع : بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل



الخاتمة


وداعاً يا شهر التوبة





ورد
في الحديث أن صيام رمضان سبب لمغفرة الذنوب، و كذا قيامه، و قيام ليلة القدر، و
الصحيح أن المغفرة تختص بالصغائر، لقوله صلى الله عليه و سلم: "الصلوات
الخمس، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت
الكبائر" رواه مسلم و الجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة.





ثم
إن العبد بعد فراق رمضان و قد كُفِّرت عنه سيئاته، يجب عليه أن يحافظ على
الصالحات، و يحفظ نفسه عن المحرمات، و تظهر عليه آثار هذه العبادات في بقية حياته،
فذلك من علامات قبول صيامه و قيامه و قرباته، فإذا كان بعد رمضان يحب الصلوات و
يحافظ على الجمع و الجماعات، و يكثر من نوافل الصلاة، و يصلي من الليل ما قدر له،
و يُعِّود نفسه على الصيام تطوعاً، و يكثر من ذكر الله تعالى و دعائه و استغفاره،
و تلاوة القرآن الكريم و تدبره و تعقله، و يتعاهد الصدقة، و يصل أرحامه و يبر
أبويه، و يؤدي ما عليه من الحقوق لربه و للعباد، و يحفظ نفسه و يصونها عن الآثام و
أنواع الجرائم، و عن جميع المعاصي و تنفر منها نفسه، و يستحضر دائماً عظمة ربه و
مراقبته و هيبته في كل حال، إذا كان كذلك بعد رمضان، فإنه دليل قبول صيامه و
قيامه، و تأثره بما عمل في رمضان من الصالحات و الحسنات.


و
مع ذلك فإن صفة الصالحين و عباد الله المتقين الحزن و الأسى على تصرم الأيام
الشريفة، و الليالي الفاضلة، كليالي رمضان، و هذه صفة السلف الصالح و صدر هذه
الأمة رحمهم الله تعالى، فلقد يحزنون لانصراف رمضان، و مع ذلك يدأبون في ذكره،
فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون
سنتهم كلها في ذكر هذا الشهر، فهو دليل على عظم موقعه في نفوسهم، و يقول قائلهم:


سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى و زمان


سلام على شهر الصيام فإنه
أمــان من الرحمن كل أمــان


لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من
قلبي عليك بفان


لقد ذهبت أيامه و ما أطعتم.


و كتبت عليكم فيه آثامه و ما أضعتم.




وكأنكم بالمشمرين و قد وصلوا و انقطعتم.


أترى ما هذا التوبيخ لكم؟!


أو ما سمعتم قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن؟! و من ألم فراقه تئن؟


كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع؟! و هو لا يدري هل بقي له في
عمره إليه رجوع!


شعر:


تذكر أياماً مضت و ليالياً خلت
فجرت من ذكرهن دموع


أين حرق المجتهدين في نهاره؟!


أين قلق المتهجدين في أسحاره؟!


فكيف حال من خسر في أيامه و لياليه؟!


ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه و قد عظمت فيه مصيبته وجل عزاؤه؟!!


كم نصح المسكين فما قبل النصح؟!


كم دعى إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح؟!


كم شاهد الواصلين فيه و هو متباعد؟!


كم مرت به زمر السائرين و هو قاعد؟!


حتى إذا ضاع الوقت و خاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم.


و طلب الاستدراك في وقت العدم.


دموع المحبين تدفق.


قلوبهم من ألم الفراق تشقق.


عسى وقفة للوداع تطفي من نار الشوق ما أحرق.


عسى توبة ساعة و إقلاع ترفوا من الصيام ما تخرق.


عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق.


عسى أسير الأوزار يطلق.


عسى من استوجب النار يعتق.


لا شك أن شهر رمضان أفضل الشهور، فقد رفع الله قدره وشرفه على غيره،
و جعله موسماً للخيرات، و جعل صيامه و قيامه سبباً لمغفرة الذنوب و عتق الرقاب من
النار.


فتح فيه أبوابه للطالبين، و رغب في ثوابه المتقين.


فالظافر من اغتنم أوقاته، و استغل ساعاته، و الخاسر من فرط في أيامه
حتى فاته.


جعله الله مطهراً من الذنوب و ساتراً للعيوب و عامراً للقلوب.


فيه تعمر المساجد بالقرآن و الذكر والدعاء و التهجد.


و تشرق فيها الأنوار و تستنير القلوب.







.................................................. ........
منقووول
:
:
أسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلنا من عتقاءه من النار

و أن يبلغنا جميعا ليلة القدر

اللهم آآمين .. آآمين .





من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #12  
قديم 07/07/2015, 04:53 PM
صورة لـ صابر حجازى
صابر حجازى
الاديب المصري
الاديب المصري
 
: بحث شامل عن شهر رمضان الفضيل


شكرا جزيلا لكل من مر من هنا وقرأ النص ...

كل التقدير والاحترام




من مواضيعي :
الرد باقتباس
الرد على الموضوع

مشاركة الموضوع:


إنتقل إلى

عناوين مشابهه
الموضوع الكاتب القسم ردود آخر مشاركة
كل يوم سؤال خلال الشهر الفضيل ..! موسى الشكيلي رمضان وأيام الصيام 50 07/08/2013 04:42 PM
الزلابية تحلية الجزائريين في الشهر الفضيل بنت جميلة وصفات الاكل والطهي 3 07/08/2011 12:19 PM
(أنشودة للفنان صلاح الزدجالي بمناسبة شهر رمضان الفضيل) مغرد بلحن الأمل ألحان التقوى 2 20/08/2009 09:43 PM


الساعة الآن: 04:39 PM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات