الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
حمسورة الزخرف الآية رقم 1
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حم } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله { حم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة مِنْ اسْم اللَّه الَّذِي هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَهُوَ الْحَاء وَالْمِيم مِنْهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23327 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : الر , وحم , ون , حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23328 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { حم } : قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه. 23329 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَوْله { حم } : مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه. وَقَالَ آخَرُونَ : يَلِ هُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23330 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حم } قَالَ : اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف هِجَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ اسْم , وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ شُرَيْح بْن أَوْفَى الْعَبْسِيّ : يُذَكِّرنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر فَهَلَّا تَلَا حم قَبْل التَّقَدُّم وَبِقَوْلِ الْكُمَيْت : وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آل حَامِيم آيَة تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ 23331 -وَحُدِّثْت عَنْ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّهُ قَالَ : قَالَ يُونُس , يَعْنِي الْجَرْمِيّ : وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل فَهُوَ مُنْكَر عَلَيْهِ ; لِأَنَّ السُّورَة { حم } سَاكِنَة الْحُرُوف , فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي , وَهَذِهِ أَسْمَاء سُوَر خَرَجَتْ مُتَحَرِّكَات , وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُف الْمَجْزُومَة دَخَلَهُ الْإِعْرَاب . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي نَظِير الْقَوْل فِي أَخَوَاتهَا , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ , فِي قَوْله : { الم } فَفِي ذَلِكَ كِفَايَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , إِذْ كَانَ الْقَوْل فِي حم , وَجَمِيع مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن عَلَى هَذَا الْوَجْه , أَعْنِي حُرُوف التَّهَجِّي قَوْلًا وَاحِدًا .
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِسورة الزخرف الآية رقم 2
وَقَوْله : { وَالْكِتَاب الْمُبِين } قَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { وَالْكِتَاب الْمُبِين } لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَفَكَّرَ فِي عِبَره , وَعِظَاته , هُدَاهُ , وَرُشْده , وَأَدِلَّته عَلَى حَقِيقَته , وَأَنَّهُ تَنْزِيل مِنْ حَكِيم حَمِيد , لَا اخْتِلَاق مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا افْتِرَاء مِنْ أَحَد وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23771 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { حم وَالْكِتَاب الْمُبِين } هُوَ هَذَا الْكِتَاب الْمُبِين. 23772 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حم وَالْكِتَاب الْمُبِين } مُبِين وَاللَّه بَرَكَته , وَهُدَاهُ وَرُشْده .
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَسورة الزخرف الآية رقم 3
{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } يَقُول : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا بِلِسَانِ الْعَرَب , إِذْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْمُنْذَرُونَ بِهِ مِنْ رَهْط مُحَمَّد عَرَبًا .

يَقُول : لِتَعْقِلُوا مَعَانِيه وَمَا فِيهِ مِنْ مَوَاعِظ , وَلَمْ يُنْزِلهُ بِلِسَانِ الْعَجَم , فَيَجْعَلهُ أَعْجَمِيًّا , فَتَقُولُوا : نَحْنُ عَرَب , وَهَذَا كَلَام أَعْجَمِيّ لَا نَفْقَه مَعَانِيه .
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌسورة الزخرف الآية رقم 4
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ هَذَا الْكِتَاب أَصْل الْكِتَاب الَّذِي مِنْهُ نَسَخَ هَذَا الْكِتَاب عِنْدنَا لَعَلِيٌّ : يَقُول : لَذُو عُلُوّ وَرِفْعَة , حَكِيم : قَدْ أُحْكِمَتْ آيَاته , ثُمَّ فُصِّلَتْ فَهُوَ ذُو حِكْمَة , وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23773 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : ثنا عُرْوَة بْن عَامِر , أَنَّهُ سَمِعَ ابْن عَبَّاس يَقُول : أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْقَلَم , فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُب مَا يُرِيد أَنْ يَخْلُق , قَالَ : وَالْكِتَاب عِنْده , قَالَ : { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيم } . 23774 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيم } يَعْنِي الْقُرْآن فِي أُمّ الْكِتَاب الَّذِي عِنْد اللَّه مِنْهُ نُسِخَ . 23775 -حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت مَالِكًا يَرْوِي عَنْ عِمْرَان , عَنْ عِكْرِمَة { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب لَدَيْنَا } قَالَ : أُمّ الْكِتَاب الْقُرْآن . 23776 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : 0 ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب لَدَيْنَا } قَالَ : أُمّ الْكِتَاب : أَصْل الْكِتَاب وَجُمْلَته . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب } : أَيْ جُمْلَة الْكِتَاب أَيْ أَصْل الْكِتَاب . 23777 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَإِنَّهُ فِي أُمّ الْكِتَاب } يَقُول : فِي الْكِتَاب الَّذِي عِنْد اللَّه فِي الْأَصْل . وَقَوْله : { لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيم } وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23778 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيم } يُخْبِر عَنْ مَنْزِلَته وَفَضْله وَشَرَفه .
أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَسورة الزخرف الآية رقم 5
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَفَنَضْرِب عَنْكُمْ وَنَتْرُككُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ فِيمَا تَحْسِبُونَ , فَلَا نَذْكُركُمْ بِعِقَابِنَا مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ قَوْم مُشْرِكُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا } قَالَ : تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ . 23780 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَوْله : { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا } قَالَ : بِالْعَذَابِ . 23781 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا } قَالَ : أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الْعَذَاب . 23782 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } يَقُول : أَحَسِبْتُمْ أَنْ نَصْفَح عَنْكُمْ وَلَمَّا تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَفَنَتْرُك تَذْكِيركُمْ بِهَذَا الْقُرْآن , وَلَا نُذَكِّركُمْ بِهِ , لِأَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23783 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } : أَيْ مُشْرِكِينَ , وَاللَّه لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآن رُفِعَ حِين رَدَّهُ أَوَائِل هَذِهِ الْأُمَّة لَهَلَكُوا , فَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَة , أَوْ مَا شَاءَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ . 23784 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا } قَالَ : لَوْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ يُؤْمِنُوا لَضُرِبَ عَنْهُمُ الذِّكْر صَفْحًا , قَالَ : الذِّكْر مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَنَهَاهُمْ صَفْحًا , لَا يَذْكُر لَكُمْ مِنْهُ شَيْئًا . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الْعَذَاب فَنَتْرُككُمْ وَنَعْرِض عَنْكُمْ , لِأَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ لَا تُؤْمِنُونَ بِرَبِّكُمْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَتْبَع ذَلِكَ خَبَره عَنْ الْأُمَم السَّالِفَة قَبْل الْأُمَم الَّتِي تَوَعَّدَهَا بِهَذِهِ الْآيَة فِي تَكْذِيبهَا رُسُلهَا , وَمَا أَحَلَّ بِهَا مِنْ نِقْمَته , فَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا } وَعِيد مِنْهُ لِلْمُخَاطَبِينَ بِهِ مِنْ أَهْل الشِّرْك , إِذْ سَلَكُوا فِي التَّكْذِيب بِمَا جَاءَهُمْ عَنْ اللَّه رَسُولهمْ مَسْلَك الْمَاضِينَ قَبْلهمْ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة " إِنْ كُنْتُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ " إِنْ " بِمَعْنَى : أَفَنَضْرِب عَنْكُمُ الذِّكْر صَفْحًا إِذْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ , وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَالْكُوفَة وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة " أَنْ " بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنْ " , بِمَعْنَى : لِأَنْ كُنْتُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه فَتْح الْأَلِف مِنْ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : فُتِحَتْ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لِأَنْ كُنْتُمْ , وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَنْ فَتَحَهَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا مَاضِيًا , فَقَالَ : وَأَنْتَ تَقُول فِي الْكَلَام : أَتَيْت أَنْ حَرَمْتنِي , تُرِيد : إِذْ حَرَمْتنِي , وَيُكْسَر إِذَا أَرَدْت : أَتَيْت إِنْ تَحْرِمنِي , وَمِثْله : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم أَنْ صَدُّوكُمْ } 5 2 و { إِنْ صَدُّوكُمْ } بِكَسْرٍ وَبِفَتْحٍ . { فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيث أَسَفًا } 18 6 قَالَ : وَالْعَرَب تُنْشِد قَوْل الْفَرَزْدَق : أَتَجْزَعُ أَنْ أُذْنَا قُتَيْبَة حُزَّتَا جِهَارًا وَلَمْ تَجْزَع لِقَتْلِ ابْن حَازِم قَالَ : وَيُنْشِد : أَتَجْزَعُ أَنْ بَانَ الْخَلِيط الْمُوَدَّع وَحَبْل الصَّفَا مِنْ عَزَّة الْمُتَقَطِّع قَالَ : وَفِي كُلّ وَاحِد مِنَ الْبَيْتَيْنِ مَا فِي صَاحِبه مِنَ الْكَسْر وَالْفَتْح . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ الْكَسْر وَالْفَتْح فِي الْأَلِف فِي هَذَا الْمَوْضِع قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب إِذَا تَقَدَّمَ " أَنْ " وَهِيَ بِمَعْنَى الْجَزَاء فِعْل مُسْتَقْبَل كَسَرُوا أَلِفهَا أَحْيَانًا , فَمَحَّضُوا لَهَا الْجَزَاء , فَقَالُوا : أَقُوم إِنْ قُمْت , وَفَتَحُوهَا أَحْيَانًا , وَهُمْ يَنْوُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى , فَقَالُوا : أَقُوم أَنْ قُمْت بِتَأْوِيلِ , لِأَنْ قُمْت , فَإِذَا كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَهَا مِنَ الْفِعْل مَاضِيًا لَمْ يَتَكَلَّمُوا إِلَّا بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنْ " فَقَالُوا : قُمْت أَنْ قُمْت , وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيل , وَتَتَابَعَ شِعْر الشُّعَرَاء .
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَسورة الزخرف الآية رقم 6
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيّ فِي الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيّ } يَا مُحَمَّد فِي الْقُرُون الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْل قَرْنك الَّذِي بُعِثْت فِيهِ كَمَا أَرْسَلْنَاك فِي قَوْمك مِنْ قُرَيْش .
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَسورة الزخرف الآية رقم 7
{ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول وَمَا كَانَ يَأْتِي قَرْنًا مِنْ أُولَئِكَ الْقُرُون وَأُمَّة مِنْ أُولَئِكَ الْأُمَم الْأَوَّلِينَ لَنَا مِنْ نَبِيّ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى وَطَرِيق الْحَقّ , إِلَّا كَانَ الَّذِينَ يَأْتِيهِمْ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَم نَبِيّهمْ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ يَسْتَهْزِئُونَ سُخْرِيَة مِنْهُمْ بِهِمْ كَاسْتِهْزَاءِ قَوْمك بِك يَا مُحَمَّد . يَقُول : فَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْك مَا يَفْعَل بِك قَوْمك , وَلَا يَشُقَّنَّ عَلَيْك , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا سَلَكُوا فِي اسْتِهْزَائِهِمْ بِك مَسْلَك أَسْلَافهمْ , وَمِنْهَاج أَئِمَّتهمُ الْمَاضِينَ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ .
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَسورة الزخرف الآية رقم 8
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَهْلَكْنَا أَشَدّ مِنْهُمْ بَطْشًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَهْلَكْنَا أَشَدّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِأَنْبِيَائِهِمْ بَطْشًا إِذَا بَطَشُوا فَلَمْ يُعْجِزُونَا بِقُوَاهُمْ وَشِدَّة بَطْشهمْ , وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ بَأْسنَا إِذْ أَتَاهُمْ , فَالَّذِينَ هُمْ أَضْعَف مِنْهُمْ قُوَّة أَحْرَى أَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ نِقَمنَا إِذَا حَلَّتْ بِهِمْ .

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَضَى لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِك وَلِمَنْ قَبْلهمْ مِنْ ضُرَبَائِهِمْ مَثَلُنَا لَهُمْ فِي أَمْثَالهمْ مِنْ مُكَذِّبِي رُسُلنَا الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ , يَقُول : فَلْيَتَوَقَّعْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِك يَا مُحَمَّد مِنْ عُقُوبَتنَا مِثْل الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23785 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَضَى مَثَل الْأَوَّلِينَ } قَالَ : عُقُوبَة الْأَوَّلِينَ . 23786 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مَثَل الْأَوَّلِينَ } قَالَ : سُنَّتهمْ .
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُسورة الزخرف الآية رقم 9
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك : مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرَضِينَ , فَأَحْدَثَهُنَّ وَأَنْشَأَهُنَّ ؟ لَيَقُولُنَّ : خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز فِي سُلْطَانه وَانْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ , الْعَلِيم بِهِنَّ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْأَشْيَاء , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَسورة الزخرف الآية رقم 10
يَقُول : الَّذِي مَهَّدَ لَكُمُ الْأَرْض , فَجَعَلَهَا لَكُمْ وِطَاء تُوَطِّئُونَهَا بِأَقْدَامِكُمْ , وَتَمْشُونَ عَلَيْهَا بِأَرْجُلِكُمْ .


يَقُول : وَسَهَّلَ لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا تَتَطَرَّقُونَهَا مِنْ بَلْدَة إِلَى بَلْدَة , لِمَعَايِشِكُمْ وَمَتَاجِركُمْ . كَمَا : 23787 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } أَيْ طُرُقًا . 23788 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْض مَهْدًا } قَالَ : بِسَاطًا { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } قَالَ : الطُّرُق .


يَقُول : لِكَيْ تَهْتَدُوا بِتِلْكَ السُّبُل إِلَى حَيْثُ أَرَدْتُمْ مِنَ الْبُلْدَان وَالْقُرَى وَالْأَمْصَار , لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تُطِيقُوا بَرَاح أَفْنِيَتكُمْ وَدُوركُمْ , وَلَكِنَّهَا نِعْمَة أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ .
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَسورة الزخرف الآية رقم 11
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ } يَعْنِي : مَا نَزَّلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ الْأَمْطَار مِنَ السَّمَاء بِقَدَرٍ : يَقُول : بِمِقْدَارِ حَاجَتكُمْ إِلَيْهِ , فَلَمْ يَجْعَلهُ كَالطُّوفَانِ , فَيَكُون عَذَابًا كَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَى قَوْم نُوح , وَلَا جَعَلَهُ قَلِيلًا , لَا يَنْبُت بِهِ النَّبَات وَالزَّرْع مِنْ قِلَّته , وَلَكِنْ جَعَلَهُ غَيْثًا , حَيًّا لِلْأَرْضِ الْمَيْتَة مُحْيِيًا .

{ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَة مَيْتًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَة مِنْ بِلَادكُمْ مَيْتًا , يَعْنِي مُجْدِبَة لَا نَبَات بِهَا وَلَا زَرْع , قَدْ دَرَسَتْ مِنَ الْجَدُوب , وَتَعَفَّنَتْ مِنَ الْقُحُوط { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا أَخْرَجْنَا بِهَذَا الْمَاء الَّذِي نَزَّلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَة الْمَيِّتَة بَعْد جُدُوبهَا وَقُحُوطهَا النَّبَات وَالزَّرْع , كَذَلِكَ أَيّهَا النَّاس تُخْرَجُونَ مِنْ بَعْد فَنَائِكُمْ وَمَصِيركُمْ فِي الْأَرْض رُفَاتًا بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهَا لِإِحْيَائِكُمْ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ مِنْهَا أَحْيَاء كَهَيْئَتِكُمْ الَّتِي بِهَا قَبْل مَمَاتكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23789 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ } . .. الْآيَة , كَمَا أَحْيَا اللَّه هَذِهِ الْأَرْض الْمَيِّتَة بِهَذَا الْمَاء كَذَلِكَ تُبْعَثُونَ يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : أَنْشَرْنَا بِهِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ : أَحْيَيْنَا بِهِ , وَلَوْ وُصِفَتِ الْأَرْض بِأَنَّهَا أُحْيِيَتْ , قِيلَ : نُشِرَتِ الْأَرْض , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِر
وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَسورة الزخرف الآية رقم 12
وَقَوْله : { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاج كُلّهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء فَزَوَّجَهُ , أَيْ خَلَقَ الذُّكُور مِنَ الْإِنَاث أَزْوَاجًا , , الْإِنَاث مِنْ الذُّكُور أَزْوَاجًا { لَكُمْ مِنَ الْفُلْك } وَهِيَ السُّفُن { وَالْأَنْعَام } وَهِيَ الْبَهَائِم { مَا تَرْكَبُونَ } يَقُول : جَعَلَ لَكُمْ مِنْ السُّفُن مَا تَرْكَبُونَهُ فِي الْبِحَار إِلَى حَيْثُ قَصَدْتُمْ وَاعْتَمَدْتُمْ فِي سَيْركُمْ فِيهَا لِمَعَايِشِكُمْ وَمَطَالِبكُمْ , وَمِنْ الْأَنْعَام مَا تَرْكَبُونَهُ فِي الْبَرّ إِلَى حَيْثُ أَرَدْتُمْ مِنَ الْبُلْدَان , كَالْإِبِلِ وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير .
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَسورة الزخرف الآية رقم 13
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِتَسْتَوُا عَلَى ظُهُوره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَيْ تَسْتَوُوا عَلَى ظُهُور مَا تَرْكَبُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَوْحِيد الْهَاء فِي قَوْله : { عَلَى ظُهُوره } وَتَذْكِيرهَا , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : تَذْكِيره يَعُود عَلَى مَا تَرْكَبُونَ , وَمَا هُوَ مُذَكَّر , كَمَا يُقَال : عِنْدِي مِنْ النِّسَاء مَنْ يُوَافِقك وَيَسُرّك , وَقَدْ تُذَكَّر الْأَنْعَام وَتُؤَنَّث , وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { مِمَّا فِي بُطُونه } 23 21 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { بُطُونهَا } 16 60 وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : أُضِيفَتْ الظُّهُور إِلَى الْوَاحِد ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِد فِي مَعْنَى جَمْع بِمَنْزِلَةِ الْجُنْد وَالْجَيْش . قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا قُلْت : لِتَسْتَوُوا عَلَى ظَهْره , فَجَعَلْت الظَّهْر وَاحِدًا إِذَا أَضَفْته إِلَى وَاحِد . قُلْت : إِنَّ الْوَاحِد فِيهِ مَعْنَى الْجَمْع , فَرُدَّتْ الظُّهُور إِلَى الْمَعْنَى , وَلَمْ يَقُلْ ظَهْره , فَيَكُون كَالْوَاحِدِ الَّذِي مَعْنَاهُ وَلَفْظه وَاحِد , وَكَذَلِكَ تَقُول : قَدْ كَثُرَ نِسَاء الْجُنْد , وَقُلْت : وَرَفَعَ الْجُنْد أَعْيُنه وَلَمْ يَقُلْ عَيْنه . قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ مَا أَضَفْت إِلَيْهِ مِنَ الْأَسْمَاء الْمَوْصُوفَة , فَأَخْرَجَهَا عَلَى الْجَمْع , وَإِذَا أَضَفْت إِلَيْهِ اسْمًا فِي مَعْنَى فِعْل جَازَ جَمْعه وَتَوْحِيده , مِثْل قَوْلك : رَفَعَ الْعَسْكَر صَوْته , وَأَصْوَاته أَجْوَد وَجَازَ هَذَا لِأَنَّ الْفِعْل لَا صُورَة لَهُ فِي الِاثْنَيْنِ إِلَّا الصُّورَة فِي الْوَاحِد . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : قِيلَ : لِتَسْتَوُوا عَلَى ظَهْره ; لِأَنَّهُ وَصْف لِلْفُلْكِ , وَلَكِنَّهُ وَحَّدَ الْهَاء ; لِأَنَّ الْفُلْك بِتَأْوِيلِ جَمْع , فَجَمَعَ الظُّهُور وَوَحَّدَ الْهَاء ; لِأَنَّ أَفْعَال كُلّ وَاحِد تَأْوِيله الْجَمْع تُوَحَّد وَتُجْمَع مِثْل : الْجُنْد مُنْهَزِم وَمُنْهَزِمُونَ , فَإِذَا جَاءَتْ الْأَسْمَاء خَرَجَ عَلَى الْأَسْمَاء لَا غَيْر , فَقُلْت : الْجُنْد رِجَال , فَلِذَلِكَ جُمِعَتْ الظُّهُور وَوُحِّدَتِ الْهَاء , وَلَوْ كَانَ مِثْل الصَّوْت وَأَشْبَاهه جَازَ الْجُنْد رَافِع صَوْته وَأَصْوَاته.

قَوْله : { ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِتَسْخِيرِهِ ذَلِكَ لَكُمْ مَرَاكِب فِي الْبَرّ وَالْبَحْر { إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } فَتُعَظِّمُوهُ وَتُمَجِّدُوهُ , وَتَقُولُوا تَنْزِيهًا لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا الَّذِي رَكِبْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْفُلْك وَالْأَنْعَام , مِمَّا يَصِفهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ , وَتُشْرِك مَعَهُ فِي الْعِبَادَة مِنَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23790 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَعُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَا : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي هَاشِم عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : رَكِبْت دَابَّة , فَقُلْت : { سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } , فَسَمِعَنِي رَجُل مِنْ أَهْل الْبَيْت ; قَالَ أَبُو كُرَيْب وَالْهَبَّارِيّ : قَالَ الْمُحَارِبِيّ : فَسَمِعْت سُفْيَان يَقُول : هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ رِضْوَان اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمَا , فَقَالَ : أَهَكَذَا أُمِرْت ؟ قَالَ : قُلْت : كَيْفَ أَقُول ؟ قَالَ : تَقُول الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا الْإِسْلَام , الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا فِي خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , فَإِذَا أَنْتَ قَدْ ذَكَرْت نِعَمًا عِظَامًا , ثُمَّ يَقُول بَعْد ذَلِكَ { سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ أَبِي مِجْلَز , أَنَّ الْحَسَن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , رَأَى رَجُلًا رَكِبَ دَابَّة , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه. 23791 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُوره لَمْ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } يُعَلِّمكُمْ كَيْف تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْفُلْك تَقُولُونَ : { بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُور رَحِيم } 11 41 وَإِذَا رَكِبْتُمُ الْإِبِل قُلْتُمْ : { سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } وَيُعَلِّمكُمْ مَا تَقُولُونَ إِذَا نَزَلْتُمْ مِنَ الْفُلْك وَالْأَنْعَام جَمِيعًا تَقُولُونَ : اللَّهُمَّ أَنْزِلْنَا مَنْزِلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْر الْمُنْزِلِينَ . 23792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَكِبَ قَالَ : اللَّهُمَّ هَذَا مِنْ مَنّك وَفَضْلك , ثُمَّ يَقُول : { سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } .

وَقَوْله : { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } وَمَا كُنَّا لَهُ مُطِيقِينَ وَلَا ضَابِطِينَ , مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَقْرَنْت لِهَذَا : إِذَا صِرْت لَهُ قَرْنًا وَأَطَقْته , وَفُلَان مُقْرِن لِفُلَانٍ : أَيْ ضَابِط لَهُ مُطِيق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23793 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس { وَمَا كُنَّا لَا مُقْرِنِينَ } يَقُول : مُطِيقِينَ . 23794 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { مُقْرِنِينَ } قَالَ : الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير . 23795 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا كُنَّا لَا مُقْرِنِينَ } أَيْ مُطِيقِينَ , لَا وَاللَّه لَا فِي الْأَيْدِي وَلَا فِي الْقُوَّة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قَالَ : فِي الْقُوَّة . 23796 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قَالَ : مُطِيقِينَ . 23797 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قَالَ : لَسْنَا لَهُ مُطِيقِينَ , قَالَ : لَا نُطِيقهَا إِلَّا بِك , لَوْلَا أَنْتَ مَا قَوِينَا عَلَيْهَا وَلَا أَطَقْنَاهَا.
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَسورة الزخرف الآية رقم 14
وَقَوْله : { وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِيَقُولُوا أَيْضًا : وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا مِنْ بَعْد مَمَاتنَا لَصَائِرُونَ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌسورة الزخرف الآية رقم 15
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِلَّهِ مِنْ خَلْقه نَصِيبًا , وَذَلِكَ قَوْلهمْ لِلْمَلَائِكَةِ : هُمْ بَنَات اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23798 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا } قَالَ : وَلَدًا وَبَنَات مِنَ الْمَلَائِكَة . 23799 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا } قَالَ : الْبَنَات . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِالْجُزْءِ هَا هُنَا : الْعَدْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23800 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا } : أَيْ عَدْلًا . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا } : أَيْ عَدْلًا. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْله : { أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُق بَنَات وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ } تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى قَوْلهمْ ذَلِكَ , فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَوْبِيخه إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ مِنْ قِيلهمْ مَا قَالُوا فِي إِضَافَة الْبَنَات إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ.

وَقَوْله : { إِنَّ الْإِنْسَان لَكَفُور مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْإِنْسَان لَذُو جَحْد لِنِعَمِ رَبّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ مُبِين : يَقُول : يُبَيِّن كُفْرَانه نِعَمه عَلَيْهِ , لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِفِكْرِ قَلْبه , وَتَدَبَّرَ حَاله .
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَسورة الزخرف الآية رقم 16
وَقَوْله : { أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُق بَنَات } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُوَبِّخًا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفُوهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَاته : اتَّخَذَ رَبّكُمْ أَيّهَا الْجَاهِلُونَ مِمَّا يَخْلُق بَنَات , وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ , وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ : يَقُول : وَأَخْلَصَكُمْ بِالْبَنِينَ , فَجَعَلَهُمْ لَكُمْ .
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌسورة الزخرف الآية رقم 17
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاعِلِينَ لِلَّهِ مِنْ عِبَاده جُزْءًا بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا : يَقُول : بِمَا مَثَّلَ لِلَّهِ , فَشَبَّهَهُ شَبَهًا , وَذَلِكَ مَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ أَنَّ لَهُ بَنَات. كَمَا : 23801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا } قَالَ : وَلَدًا . 23802 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا } بِمَا جَعَلَ لِلَّهِ .

وَقَوْله : { ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ظَلَّ وَجْه هَذَا الَّذِي بُشِّرَ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا مِنَ الْبَنَات مُسْوَدًّا مِنْ سُوء مَا بُشِّرَ بِهِ .

يَقُول : وَهُوَ حَزِين . كَمَا : 23803 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَهُوَ كَظِيم } : أَيْ حَزِين .
أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍسورة الزخرف الآية رقم 18
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَمَنْ يَنْبُت فِي الْحِلْيَة وَيُزَيَّن بِهَا { وَهُوَ فِي الْخِصَام } يَقُول : وَهُوَ فِي مُخَاصَمَة مَنْ خَاصَمَهُ عِنْد الْخِصَام غَيْر مُبِين , وَمَنْ خَصَمَهُ بِبُرْهَانٍ وَحُجَّة , لِعَجْزِهِ وَضَعْفه , جَعَلْتُمُوهُ جُزْء اللَّه مِنْ خَلْقه وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَصِيبه مِنْهُمْ , وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْت . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْجَوَارِي وَالنِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23804 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : يَعْنِي الْمَرْأَة . 23805 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ مَرْثَد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحَرِير وَالذَّهَب , وَقَرَأَ { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : يَعْنِي الْمَرْأَة . 23806 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا , كَيْفَ تَحْكُمُونَ . 23807 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : الْجَوَارِي يُسَفِّههُنَّ بِذَلِكَ , غَيْر مُبِين بِضَعْفِهِنَّ . 23808 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة } يَقُول : جَعَلُوا لَهُ الْبَنَات وَهُمْ إِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِهِنَّ ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم . قَالَ : وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } يَقُول : قَلَّمَا تَتَكَلَّم امْرَأَة فَتُرِيد أَنْ تَتَكَلَّم بِحُجَّتِهَا إِلَّا تَكَلَّمَتْ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهَا . 23809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : النِّسَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ أَوْثَانهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23810 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة } . ... الْآيَة , قَالَ : هَذِهِ تَمَاثِيلهمْ الَّتِي يَضْرِبُونَهَا مِنْ فِضَّة وَذَهَب يَعْبُدُونَهَا هُمُ الَّذِينَ أَنْشَئُوهَا , ضَرَبُوهَا مِنْ تِلْكَ الْحِلْيَة , ثُمَّ عَبَدُوهَا { وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : لَا يَتَكَلَّم , وَقَرَأَ { فَإِذَا هُوَ خَصِيم مُبِين } 36 77 وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ الْجَوَارِي وَالنِّسَاء , لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيب خَبَر اللَّه عَنْ إِضَافَة الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَنَات , وَقِلَّة مَعْرِفَتهمْ بِحَقِّهِ , وَتَحْلِيَتهمْ إِيَّاهُ مِنْ الصِّفَات وَالْبُخْل , وَهُوَ خَالِقهمْ وَمَالِكهمْ وَرَازِقهمْ , وَالْمُنْعِم عَلَيْهِمْ النِّعَم الَّتِي عَدَّدَهَا فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة مَا لَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ , فَاتِّبَاع ذَلِكَ مِنَ الْكَلَام مَا كَانَ نَظِيرًا لَهُ أَشْبَه وَأَوْلَى مِنْ اتِّبَاعه مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ " أَوَمَنْ يَنْشَأ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالتَّخْفِيف مِنْ نَشَأَ يَنْشَأ , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { يُنَشَّأ } بِضَمِّ الْيَاء وَتَشْدِيد الشِّين مِنْ نَشَّأْته فَهُوَ يُنَشَّأ. وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَنْشَأ مِنَ الْإِنْشَاء نَاشِئ , وَالنَّاشِئ مُنَشَّأ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " أَوَمَنْ لَا يُنَشَّأ إِلَّا فِي الْحِلْيَة " , وَفِي " مَنْ " وُجُوه مِنْ الْإِعْرَاب الرَّفْع عَلَى الِاسْتِئْنَاف وَالنَّصْب عَلَى إِضْمَار يَجْعَلُونَ كَأَنَّهُ قِيلَ : أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة يَجْعَلُونَ بَنَات اللَّه , وَقَدْ يَجُوز النَّصْب فِيهِ أَيْضًا عَلَى الرَّدّ عَلَى قَوْله : أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُق بَنَات أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة , فَيَرُدّ " مَنْ " عَلَى الْبَنَات , وَالْخَفْض عَلَى الرَّدّ عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا } .
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَسورة الزخرف الآية رقم 19
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ عِبَاد الرَّحْمَن إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مَلَائِكَته الَّذِينَ هُمْ عِبَاد الرَّحْمَن . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة " الَّذِينَ هُمْ عِنْد الرَّحْمَن " بِالنُّونِ , فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنَّ الَّذِينَ عِنْد رَبّك لَا يَسْتَكْبِرُونَ } 7 206 فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : وَجَعَلُوا مَلَائِكَة اللَّه الَّذِينَ هُمْ عِنْده يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ إِنَاثًا , فَقَالُوا : هُمْ بَنَات اللَّه جَهْلًا مِنْهُمْ بِحَقِّ اللَّه , وَجُرْأَة مِنْهُمْ عَلَى قِيل الْكَذِب وَالْبَاطِل. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ عِبَاد الرَّحْمَن إِنَاثًا } بِمَعْنَى : جَمْع عَبْد , فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى قِرَاءَة هَؤُلَاءِ : وَجَعَلُوا مَلَائِكَة اللَّه الَّذِينَ هُمْ خَلْقه وَعِبَاده بَنَات اللَّه , فَأَنَّثُوهُمْ بِوَصْفِهِمْ إِيَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنَاث . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة عِبَاد اللَّه وَعِنْده . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَشَهِدُوا خَلْقهمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة " أَشَهِدُوا خَلْقهمْ " بِضَمِّ الْأَلِف , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , بِمَعْنَى : أَأَشْهَدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاعِلِينَ مَلَائِكَة اللَّه إِنَاثًا , خَلْقَ مَلَائِكَته الَّذِينَ هُمْ عِنْده , فَعَلِمُوا مَا هُمْ , وَأَنَّهُمْ إِنَاث , فَوَصَفُوهُمْ بِذَلِكَ , لِعِلْمِهِمْ بِهِمْ , وَبِرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُمْ , ثُمَّ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْأَلِف , بِمَعْنَى : أَشَهِدُوا هُمْ ذَلِكَ فَعَلِمُوهُ ؟ وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .


وَقَوْله : { سَتُكْتَبُ شَهَادَتهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَتُكْتَبُ شَهَادَة هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه فِي الدُّنْيَا , بِمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِمْ , وَيُسْأَلُونَ عَنْ شَهَادَتهمْ تِلْكَ فِي الْآخِرَة أَنْ يَأْتُوا بِبُرْهَانٍ عَلَى حَقِيقَتهَا , وَلَنْ يَجِدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا .
وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَسورة الزخرف الآية رقم 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش : لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَا أَوْثَاننَا الَّتِي نَعْبُدهَا مِنْ دُونه , وَإِنَّمَا لَمْ يَحِلّ بِنَا عُقُوبَة عَلَى عِبَادَتنَا إِيَّاهَا لِرِضَاهُ مِنَّا بِعِبَادَتِنَاهَا . كَمَا : 23811 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَاهُمْ } لِلْأَوْثَانِ يَقُول اللَّه عَزَّ وَحَلَّ .

يَقُول : مَا لَهُمْ بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ عِلْم , وَإِنَّمَا يَقُولُونَهُ تَخَرُّصًا وَتَكَذُّبًا ; لِأَنَّهُمْ لَا خَبَر عِنْدهمْ مِنِّي بِذَلِكَ وَلَا بُرْهَان , وَإِنَّمَا يَقُولُونَهُ ظَنًّا وَحُسْبَانًا .

يَقُول : مَا هُمْ إِلَّا مُتَخَرِّصُونَ هَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالُوهُ , وَذَلِكَ قَوْلهمْ { لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَاهُمْ } . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , مَا : 23812 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } مَا يَعْلَمُونَ قُدْرَة اللَّه عَلَى ذَلِكَ.
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَسورة الزخرف الآية رقم 21
وَقَوْله : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مَا آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُتَخَرِّصِينَ الْقَائِلِينَ لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَا الْآلِهَة كِتَابًا بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ , مِنْ قَبْل هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد .

يَقُول : فَهُمْ بِذَلِكَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِي مِنْ قَبْل هَذَا الْقُرْآن , مُسْتَمْسِكُونَ يَعْمَلُونَ بِهِ , وَيَدِينُونَ بِمَا فِيهِ , وَيَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَيْك .
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَسورة الزخرف الآية رقم 22
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ : لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَا هَؤُلَاءِ الْأَوْثَان بِالْأَمْرِ بِعِبَادَتِهَا , كِتَابًا مِنْ عِنْدنَا , وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا : وَجَدْنَا آبَاءَنَا الَّذِينَ كَانُوا قَبْلنَا يَعْبُدُونَهَا , فَنَحْنُ نَعْبُدهَا كَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهَا ; وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } . بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى دِين وَمِلَّة , وَذَلِكَ هُوَ عِبَادَتهمُ الْأَوْثَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23813 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { عَلَى أُمَّة } : مِلَّة . 23814 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } يَقُول : وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى دِين . 23815 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } قَالَ : قَدْ قَالَ ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْش : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى دِين . 23816 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنِ السُّدِّيّ { قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } قَالَ : عَلَى دِين . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { عَلَى أُمَّة } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { عَلَى أُمَّة } بِضَمِّ الْأَلِف بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنَ الدِّين وَالْمِلَّة وَالسُّنَّة , وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِد وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَنَّهُمَا قَرَآهُ " عَلَى إِمَّة " بِكَسْرِ الْأَلِف , وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا إِذَا كُسِرَتْ أَلِفُهَا , فَكَانَ بَعْضهمْ يُوَجِّه تَأْوِيلهَا إِذَا كُسِرَتْ عَلَى أَنَّهَا الطَّرِيقَة وَأَنَّهَا مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَمَمْت الْقَوْم فَأَنَا أَؤُمّهُمْ إِمَّة , وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَب سَمَاعًا : مَا أَحْسَن عِمَّته وَإِمَّته وَجِلْسَته إِذَا كَانَ مَصْدَرًا , وَوَجَّهَهُ بَعْضهمْ إِذَا كُسِرَتْ أَلِفهَا إِلَى أَنَّهَا الْإِمَّة الَّتِي بِمَعْنَى النَّعِيم وَالْمُلْك , كَمَا قَالَ عَدِيّ بْن زَيْد : ثُمَّ بَعْد الْفَلَاح وَالْمُلْك وَالْ إِمَّةِ وَارَتْهُمُ هُنَاكَ الْقُبُور وَقَالَ : أَرَادَ إِمَامَة الْمُلْك وَنَعِيمه , وَقَالَ بَعْضهمْ : ( الْأُمَّة بِالضَّمِّ , وَالْإِمَّة بِالْكَسْرِ بِمَعْنًى وَاحِد ) . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْره : الضَّمّ فِي الْأَلِف لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَسَرُوهَا فَإِنِّي لَا أَرَاهُمْ قَصَدُوا بِكَسْرِهَا إِلَّا مَعْنَى الطَّرِيقَة وَالْمِنْهَاج , عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْل , لَا النِّعْمَة وَالْمُلْك ; لِأَنَّهُ لَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى نِعْمَة وَنَحْنُ لَهُمْ مُتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الِاتِّبَاع إِنَّمَا يَكُون فِي الْمِلَل وَالْأَدْيَان وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ لَا فِي الْمُلْك وَالنِّعْمَة ; لِأَنَّ الِاتِّبَاع فِي الْمُلْك لَيْسَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَصِل إِلَيْهِ كُلّ مَنْ أَرَادَهُ .

وَقَوْله : { وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُهْتَدُونَ } يَقُول : وَإِنَّا عَلَى آثَار آبَائِنَا فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ دِينهمْ مُهْتَدُونَ , يَعْنِي : لَهُمْ مُتَّبِعُونَ عَلَى مِنْهَاجهمْ . كَمَا : 23817 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس { وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُهْتَدُونَ } يَقُول : وَإِنَّا عَلَى دِينهمْ . 23818 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُهْتَدُونَ } يَقُول : وَإِنَّا مُتَّبِعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَسورة الزخرف الآية رقم 23
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهَكَذَا كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش فَعَلَ مَنْ قَبْلهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ , وَقَالُوا مِثْل قَوْلهمْ , لَمْ نُرْسِل مِنْ قَبْلك يَا مُحَمَّد فِي قَرْيَة , يَعْنِي إِلَى أَهْلهَا رُسُلًا تُنْذِرهُمْ عِقَابنَا عَلَى كُفْرهمْ بِنَا فَأَنْذَرُوهُمْ وَحَذَّرُوهُمْ سَخَطنَا , وَحُلُول عُقُوبَتنَا بِهِمْ { إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا } , وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ . كَمَا : 23819 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا } قَالَ : رُؤَسَاؤُهُمْ وَأَشْرَافهمْ. * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا } قَادَتهمْ وَرُءُوسهمْ فِي الشِّرْك .

وَقَوْله : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } يَقُول : قَالُوا : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى مِلَّة وَدِين


يَعْنِي : وَإِنَّا عَلَى مِنْهَاجهمْ وَطَرِيقَتهمْ مُقْتَدُونَ بِفِعْلِهِمْ نَفْعَل كَالَّذِي فَعَلُوا , وَنَعْبُد مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّمَا سَلَكَ مُشْرِكُو قَوْمك مِنْهَاج مَنْ قَبْلهمْ مِنْ إِخْوَانهمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاللَّهِ فِي إِجَابَتهمْ إِيَّاكَ بِمَا أَجَابُوك بِهِ , وَرَدّهمْ مَا رَدُّوا عَلَيْك مِنَ النَّصِيحَة , وَاحْتِجَاجهمْ بِمَا احْتَجُّوا بِهِ لِمُقَامِهِمْ عَلَى دِينهمُ الْبَاطِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23820 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ } قَالَ بِفِعْلِهِمْ . 23821 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ } فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَسورة الزخرف الآية رقم 24
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَوْلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك , الْقَائِلِينَ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم مِنْ عِنْد رَبّكُمْ { بِأَهْدَى } إِلَى طَرِيق الْحَقّ , وَأَدَلّ لَكُمْ عَلَى سَبِيل الرَّشَاد { مِمَّا وَجَدْتُمْ } أَنْتُمْ عَلَيْهِ آبَائِكُمْ مِنَ الدِّين وَالْمِلَّة.

يَقُول : فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ , فَأَجَابُوهُ بِأَنْ قَالُوا لَهُ كَمَا قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا لِأَنْبِيَائِهَا : إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ يَا أَيّهَا الْقَوْم كَافِرُونَ , يَعْنِي : جَاحِدُونَ مُنْكِرُونَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى أَبِي جَعْفَر { قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } بِالتَّاءِ , وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ أَنَّهُ قَرَأَهُ " قُلْ أَوَلَوْ جِئْنَاكُمْ " بِالنُّونِ وَالْأَلِف . وَالْقِرَاءَة عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَيْهِ .
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَسورة الزخرف الآية رقم 25
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَانْتَقَمْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا مِنْ الْأُمَم الْكَافِرَة بِرَبِّهَا , بِإِحْلَالِنَا الْعُقُوبَة بِهِمْ , فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ كَانَ عُقْبَى أَمْرهمْ , إِذْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } آخِر أَمْر الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُل اللَّه إِلَامَ صَارَ , يَقُول : أَلَمْ نُهْلِكهُمْ فَنَجْعَلهُمْ عِبْرَة لِغَيْرِهِمْ ؟ كَمَا : 23822 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } قَالَ : شَرّ وَاللَّه , أَخَذَهُمْ بِخَسْفٍ وَغَرَق , ثُمَّ أَهْلَكَهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ النَّار .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَسورة الزخرف الآية رقم 26
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوْمه إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوْمه } الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا يَعْبُدهُ مُشْرِكُو قَوْمك يَا مُحَمَّد { إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ } مِنْ دُون اللَّه , فَكَذَّبُوهُ , فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ كَمَا انْتَقَمْنَا مِمَّنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا , وَقِيلَ : { إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ } فَوَضَعَ الْبَرَاء وَهُوَ مَصْدَر مَوْضِع النَّعْت , وَالْعَرَب لَا تُثَنِّي الْبَرَاء وَلَا تَجْمَع وَلَا تُؤَنِّث , فَتَقُول : نَحْنُ الْبَرَاء وَالْخَلَاء : لَمَّا ذَكَرْت أَنَّهُ مَصْدَر , وَإِذَا قَالُوا : هُوَ بَرِيء مِنْك ثَنُّوا وَجَمَعُوا وَأَنَّثُوا , فَقَالُوا : هُمَا بَرِيئَانِ مِنْك , وَهُمْ بَرِيئُونَ مِنْك , وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " إِنَّنِي بِرِّي " بِالْيَاءِ , وَقَدْ يَجْمَع بَرِيء : بُرَاء وَأَبْرَاء .
إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِسورة الزخرف الآية رقم 27
{ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } يَقُول : إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ شَيْء إِلَّا مِنْ الَّذِي فَطَرَنِي , يَعْنِي الَّذِي خَلَقَنِي { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } يَقُول : فَإِنَّهُ سَيُقَوِّمُنِي لِلدِّينِ الْحَقّ , وَيُوَفِّقنِي لِاتِّبَاعِ سَبِيل الرُّشْد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23823 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوْمه } ... الْآيَة , قَالَ : كَايَدَهُمْ , كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّه رَبّنَا { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه } 31 25 فَلَمْ يَبْرَأ مِنْ رَبّه. 23824 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ } يَقُول : إِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تَعْبُدُونَ " إِلَّا الَّذِي خَلَقَنِي " . 23825 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } قَالَ : خَلَقَنِي .
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَسورة الزخرف الآية رقم 28
وَقَوْله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ قَوْله : { إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } وَهُوَ قَوْل : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه , وَهُمْ ذُرِّيَّته , فَلَمْ يَزَلْ فِي ذُرِّيَّته مَنْ يَقُول ذَلِكَ مِنْ بَعْده , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكَلِمَة الَّتِي جَعَلَهَا خَلِيل الرَّحْمَن بَاقِيَة فِي عَقِبه , فَقَالَ بَعْضهمْ : بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23826 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 23827 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة } قَالَ : شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالتَّوْحِيد لَمْ يَزَلْ فِي ذُرِّيَّته مَنْ يَقُولهَا مِنْ بَعْده . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه } قَالَ : التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص , وَلَا يَزَال فِي ذُرِّيَّته مَنْ يُوَحِّد اللَّه وَيَعْبُدهُ . 23828 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الْكَلِمَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه فِي عَقِبه اسْم الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23829 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه } فَقَرَأَ { إِذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } 2 131 قَالَ : جَعَلَ هَذِهِ بَاقِيَة فِي عَقِبه , قَالَ : الْإِسْلَام , وَقَرَأَ { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل } 22 78 فَقَرَأَ { وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك } 2 128 وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْعَقِب قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23830 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِي عَقِبه } قَالَ : وَلَده . 23831 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه } قَالَ : يَعْنِي مِنْ خَلْفه . 23832 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فِي عَقِبه } قَالَ : فِي عَقِب إِبْرَاهِيم آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 23833 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي فُدَيْك , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي ذِئْب , عَنِ ابْن شِهَاب أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الْعَقِب : الْوَلَد , وَوَلَد الْوَلَد . 23834 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد { فِي عَقِبه } قَالَ : عَقِبه : ذُرِّيَّته .

وَقَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : لِيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَة رَبّهمْ , وَيَثُوبُوا إِلَى عِبَادَته , وَيَتُوبُوا مِنْ كُفْرهمْ وَذُنُوبهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23835 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } : أَيْ يَتُوبُونَ , أَوْ يَذْكُرُونَ .
بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌسورة الزخرف الآية رقم 29
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ مَتَّعْت هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقّ وَرَسُول مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { بَلْ مَتَّعْت } يَا مُحَمَّد { هَؤُلَاءِ } الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك { وَآبَاءَهُمْ } مِنْ قَبْلهمْ بِالْحَيَاةِ , فَلَمْ أُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرهمْ { حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْحَقِّ : هَذَا الْقُرْآن : يَقُول : لَمْ أُهْلِكهُمْ بِالْعَذَابِ حَتَّى أَنْزَلْت عَلَيْهِمُ الْكِتَاب , وَبَعَثْت فِيهِمْ رَسُولًا مُبِينًا . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَرَسُول مُبِين } : مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُبِين : أَنَّهُ يُبَيِّن لَهُمْ بِالْحِجَجِ الَّتِي يَحْتَجّ بِهَا عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول مُحِقّ فِيمَا يَقُول .
وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَسورة الزخرف الآية رقم 30
{ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقّ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَمَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه , وَرَسُول مِنَ اللَّه أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ { قَالُوا هَذَا سِحْر } يَقُول : هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ هَذَا الرَّسُول سِحْر يَسْحَرنَا بِهِ , لَيْسَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّه { وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } يَقُول : قَالُوا : وَإِنَّا بِهِ جَاحِدُونَ , نُنْكِر أَنْ يَكُون هَذَا مِنَ اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23836 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقّ قَالُوا هَذَا سِحْر وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ قُرَيْش قَالُوا الْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا سِحْر.
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3